اهلا بك عزيزي الزائر في موقع برامج الانبار
أحدث المواضيع
||

12/21/2016

سعيد بن جبير

سعيد بن جبير
أخذ سعيد بن جبير العلم مِن أبي سعيد الخدري، وعدي بن حاتم الطائي، وأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة الدوسي، وعبد الله بن عمر، وعائشة أم المؤمنين، رَضِي اللَّه تعالى عَنْهم أجمعين، لكن أستاذه الأكبر، ومعلمه الأعظم، كان عبد الله بن عباس، حبر الأمة.

الحجاج بن يوسف الثقفي
اتخذ الكوفة له داراً ومقاماً، وغدا إلى أهلها معلماً وإماما،الكوفة كانت خاضعةً لحكم الحجاج بن يوسف الثقفي.
كان الحجاج والياً على العراق والمشرق وبلاد ما وراء النهر،وكان يتربّع حينئذٍ على ذروة سطوته وسلطانه، وذلك بعد أن قَتَلَ عبدُ الله بنُ الزبير، وقَضَى على حركته، وأخْضعَ العراقَ لسلطان بن أمية، الحجاج له خطبته الشهيرة:أما بعد ؛ فإني قد رأيت رؤوساً قد أينعت، وحان قطافها، وإني لصاحبها،

البداية:
صدامٌ بين الحجاج بن يوسف الثقفي وبين عبد الرحمن بن الأشعث، أحد كبار قادة جيش الحجاج، فكيف حصل هذا الخلاف؟.
سيَّر الحجاجُ ابنَ الأشعث بجيش لغزو رتبيل ملك الترك على المناطق الواقعة وراء سجستان، فغزا القائد الباسل المظفر شطراً كبيراً من بلاد رتبيل، واحتل حصوناً منيعة من ديارهم، وغنم مغانم كثيرة من مُدُنِه وقُراهُ، ثم بعث إلى الحجّاج رسلاً زفّوا له البشائر، بشائر النصر الكبير، وحملوا معهم خُمس الغنائم لتستقر في خزائن بيت مال المسلمين، وكتب له كتاباً استأذنه فيه بالتوقف عن القتال مدة من الزمن، ليختبر مداخل البلاد ومخارجها، ويقف على طبيعتها وأحوالها .
لماذا فعل هذا؟ خاف أن يتوغل في شعابها القاسية المجهولة، وخاف أن يعرض جيشه الظافر للمخاطر، فاغتاظ الحجاج منه، وأرسل إليه كتاباً يَصِفُه فيه بالجبن والخنوع، وينذره بالويل والثبور، ويهدِّده بالتنحية عن القيادة .

جمع عبد الرحمن وجوهَ الجند، وقادة الكتائب، وقرأ عليهم كتاب الحجاج، واستشارهم فيه، فَدَعَوْهُ إلى الخروج عليه، والمبادرة إلى نبذِ طاعته، فقال لهم عبد الرحمن: ((أتبايعونني على ذلك، وتؤازرونني على جهاده، حتى يطهِّر اللهُ أرضَ العراق من رجسه؟ فبايعه الجند على ما دعاهم إليه،هبَّ عبدُ الرحمن بن الأشعث بجيشه الممتلئ كراهيَةً للحجاج، ونشبتْ بينه وبين جيوش الثقفي معارك طاحنة، انتصر فيها نصراً مؤزراً،فتمّ له الاستلاء على سجستان، وجلِّ بلاد فارس، ثم أقبل ابنُ الأشعث يريد انتزاع الكوفة والبصرة من يدي الحجاج،وفيما كانت نيرانُ الحرب مشتعلة بين الفريقين، وكان ابن الأشعث ينتقل من ظفرٍ إلى ظفر، وقع للحجاج خطب زاد خصمه قوةً، ذلك أن ولاة الأنصار كتبوا إلى الحجّاج كتباً قالوا فيها: إن أهل الذمّة قد طفقوا يدخلون في الإسلام، ليتخلصوا من دفع الجزية، وقد تركوا القرى التي يعملون فيها، واستقرّوا في المدن، وأنّ الخراج قد اضمحلّ، وأنّ الجبايات قد أفلست .
-فماذا فعل الحجاج؟- كتب إلى ولاته في البصرة وغيرها كتباً, يأمرهم فيها, أن يجمعوا كل من نزح إلى المدن من أهل الذمة، وأن يعيدوهم إلى القرى مهما طال نزوحهم عنها، فصدع الولاة بالأمر، وأجْلَوْا أعداداً كبيرةً من هؤلاء عن ديارهم، وأبعدوهم عن موارد أرزاقهم، وحشدوهم في أطراف المدن، وأخرجوا معهم نساءهم وأطفالهم، ودفعوهم دفعاً إلى الرحيل إلى القرى، بعد أن مضى على فراقهم لها حينٌ من الدهر، فأخذ النساءُ والولدانُ والشيوخُ يبكون، ويستصرخون، ويستغيثون، وينادون: وا محمداه، وحاروا فيما يفعلون، وإلى أين يذهبون؟ فخرج إليهم فقهاء البصرة، وقراؤها ليغيثوهم، ويشفعوا لهم، فلم يتمكنوا من ذلك ، فطفقوا يبكون لبكائهم، ويستغيثون لمُصابهم .
-الآن- اغتنم عبد الرحمن بن الأشعث القائد الذي انشق عنه هذه الفرصة, ودعا الفقهاء والقراء إلى مؤازرته، فاستجابت له كوكبة من جلّة التابعين، وعلى رأسهم سعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي، وغيرهم،
ودارت رحى الحرب بين الفريقين، وكان النصرُ أولَ الأمر لابن الأشعث ومَن معه على الحجاج وجنوده، ثم بدأت كفةُ الحجاج ترجح شيئاً فشيئاً، حتى هزم ابن الأشعث هزيمة منكرة، وفَرَّ ناجياً بنفسه، واستسلم جيشه للحجاج وجنوده)) .

أمر الحجَّاجُ مناديَه أن ينادي في المقاتلين المهزومين، وأن يدعوهم لتجديد بيعته، فاستجاب أكثرهم له، وتوارى بعضهم عنه، وكان بين المتوارين سعيد بن جبير رَضِي اللَّه عَنْه وأرضاه، فلما أخذ المسلمون يتقدمون تباعاً لبيعته فوجئوا بما لم يكن في حسبانهم، فلقد جعل يقول للواحد منهم: ((أتشهد على نفسك بأنك قد كفرت بنقض بيعتك لوالي أمير المؤمنين, فيجب أن يشهد على نفسه بالكفر، فإن قال: نعم، قَبِلَ منه تجديد بيعته، وأطلق سراحه، وإن قال: لا، قَتَلَه، فكان بعضهم يخضع له، ويقرُّ على نفسه بالكفر، لينقذ نفسه مِن القتل، وكان بعضهم الآخر, يستكبر ذلك ويستنكره، فيدفع رقبته ثمناً لإبائه واستنكاره .
ولقد ذاعت أخبار تلك الحادثة التي قتل فيها أشخاص كثيرون، ونجا منها أشخاص بعد أن دمغوا أنفسهم بالكفر، مِن ذلك أن شيخاً معمَّراً من قبيلة خثعم، كان معتزلاً للفريقين، مقيماً وراء الفرات، سِيق إلى الحجاج مع مَن سيقوا إليه، فلما ادخل عليه سأله عن حاله، فقال : مازلت منذ شبَت هذه النار معتزلاً وراء هذا النهر، منتظراً ما يسفرُ عنه القتال، فلما ظهرتَ وظفرتَ أتيتك مبايعاً، فقال: تباً لك، أتقعد متربصاً، ولا تقاتل مع أميرك، ثم زجره قائلاً: أتشهد على نفسك بأنك كافر؟ قال: بئس الرجل أنا, إنْ كنتُ عبدت الله ثمانين عاماً، ثم أشهد بعد ذلك على نفسي بالكفر، فقال له: إذاً أقتلك، قال: وإنْ قتلتني، فو الله ما بقي من عمري إلا ظمأ حمار، يعني ساعات قليلة، فإنه يشرب غدوة، ويموت عشية، وإني لأنتظر الموت صباحاً ومساء، فافعل ما بدا لك، فقال الحجاج لجلاده: اضرب عنقه، فضرب الجلاد عنقه .
دعا كميل بن زياد النخعي، وقال له: أتشهد على نفسك بالكفر؟ فقال: والله لا أشهد، قال: إذاً أقتلك، قال: فاقضِ ما أنت قاض، وإنَّ الموعد فيما بيننا عند الله، وبعدَ القتل، فقال له الحجاج: ستكون الحُجَّة يومئذٍ عليك لا لك، فقال له: ذلك إذا كنتَ أنت القاضيَ يومئذٍ، فقال الحجاج: اقتلوه، فَقَدِّم وقتل .
قُدِّم إليه رجل آخر كان يكرهه الحجاج أشدّ الكراهية، ويشتهي أن يظفر بقتله، لِما كان ينقل له من سخريته به، فبادَره قائلاً: إني أرى أمامي رجلاً ما أظنه يشهد على نفسه بالكفر، فقال له الرجل: لا تورطني، وتخدعني عن نفسي، أنا أكفر أهل الأرض، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد، فخلّى سبيله، وهو يتحرق ظمأً لقتله)) .
سعيد بن جبير إذا وقع بين يدي الحجاج فلا بد أن يقتله، فإما أن تُدَقَّ عنقُه، وإمّا أنْ يُقِرّ على نفسه بالكفر، وهما أمران أحلاهما مرٌّ، فآثر أن يخرج من بلاد العراق، وأن يتوارى عن الأنظار، وظلّ يضرب في أرض الله الواسعة مستخفياً عن الحجاج وعيونه، حتى لجأ إلى قرية صغيرة مِن أراضي مكة، وبقي على حاله هذه عشر حججٍ كاملات، عشر سنوات وهو مختفٍّ، كانت كافيةً أن تطفِئ نيران الحجاج المتّقدة في قلبه، وأن تزيل ما في نفسه من ضغنٍ عليه .
بَيْدَ أنه حدث ما لم يكن يتوقعه أحد، ذلك أنه قدم على مكة والٍ جديد من ولاة بني أمية، هو (خالد بن عبد الله القسري)، فتوجّس أصحاب سعيد بن جبير خِيفةً منه، لِمَا كان يعرفون من سوء سيرته، وتوقعوا الشرَّ على يديه، فجاء بعضهم إلى سعيد، وقال له: ((إنّ هذا الرجل قدِم مكة، وإنا واللهِ لا نأمنه عليك، فاستجبْ لطلبنا، واخرجْ من هذا البلد، فقال: واللهِ لقد فررتُ حتى صرتُ أستحي من الله، ولقد عزمتُ على أن أبقى في مكاني هذا، وليفعْل اللهُ بي ما يشاء، لم يكذب خالدًا ظنُّ السوء الذي ظنه الناس به، فما أنْ علِم بمكان سعيد بن جبير حتى أرسل إليه سرية من جنوده، وأمرهم أن يسوقوه مقيداً إلى الحجاج في مدينة واسط .
فأطبق الجندُ على بيت الشيخ، وألقوا القيد في يديه على مرأى من بعض أصحابه، وآذنوه بالرحيل إلى الحجاج، فتلقاهم هادئ النفس، مطمئنَ القلب، ثم التفت إلى أصحابه، وقال: ما أراني إلا مقتولاً على يد هذا الظالم، ولقد كنتُ أنا وصاحبان لي في ليلة عبادة، فاستشعرنا حلاوة الدعاء، فدعونا الله بما دعونا، وتضرّعنا إليه بما شاء مِن تضرع، ثم سألنا الله أن يكتب لنا الشهادة، وقد رزقها اللهُ صاحبيَّ كليهما، وبقيتُ أنا أنتظرها، ثم إنه ما كاد أن ينتهي من كلامه، حتى طلعت عليه بُنَيَّةُ صغيرة له، فرأته مقيداً، والجنودُ يسوقونه، فتشبثت به، وجعلت تبكي وتنشج، فنحاها عنه برفق، وقال لها: قولي لأمك يا بنية: إن موعدنا الجنة إن شاء الله تعالى، ثم مضى، فبلغ الجندُ بالإمام الحبر, العابد الزاهد, التقي النقي واسطًا، وأدخلوه على الحجاج .
فلما صار عنده، نظر إليه في حقد، وقال: ما اسمك؟ قال: سعيد بن جبير، فقال: بل شقي بن كسير، قال: بل كانت أُمِّي أعلمَ باسمي منك، قال: ما تقول في محمد؟ قال: تعني محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، قال: نعم، قال: سيد ولد آدم، النبي المصطفى، خير من بقي من البشر، وخير من مضى، حمل الرسالة, وأدى الأمانة، ونصح لله, ولكتابه, ولعامة المسلمين، وخاصتهم .
قال: فما تقول في أبي بكر؟ قال: هو الصديق خليفة رسول الله، ذهب حميداً، وعاش سعيداً، ومضى على منهاج النبي صلوات الله وسلامه عليه، لم يغيِّر، ولم يبدل .
قال: فما تقول في عمر؟ قال: هو الفاروق الذي فرّق الله به بين الحق والباطل، وخيرة الله من خلقه، وخيرة رسوله، ولقد مضى على منهاج صاحبَيْه، فعاش حميداً، وقتل شهيداً .

قال: فما تقول في عثمان؟ قال: هو المجهِّزُ لجيش العسرة، الحافرُ لبئر رومة، المشتري لبيت لنفسه في الجنة، صهر رسول الله صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ابنتيه، ولقد زوَّجه النبي بوحي من السماء، وهو المقتول ظلماً .

قال: فما تقول في عليِّ؟ قال: ابن عم رسول الله، وأول من أسلم من الفتيان، وهو زوج فاطمة البتول، وأبو الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة .

قال: فأي خلفاء بني أمية أعجب لك؟ قال: أرضاهم لخالقهم، قال: فأيُّهم أرضى للخالق؟ قال: علمُ ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم .
قال: فما تقول فيَّ؟ قال: أنت أعلم بنفسك، قال: بل أريد علمك أنت، قال: إذاً: يسوءك ولا يسرك، قال: لا بد من أن أسمع منك، قال: إني لأَعْلَمُ أنك مخالف لكتاب الله تعالى، تُقدِم على أمور تريد منها الهيبة، وهي تقحمك الهلَكَةَ، وتدفعك إلى النار دفعاً، قال : أمَا واللهِ لأقتلنك، قال: إذاً تفسد عليَّ دنياي، وأفسد عليك آخرتك، قال: اختر لنفسك أي قتلة شئت، قال: بل اخترها أنت لنفسك يا حجّاج، فو الله ما تقتلني قتلة إلا وقتَلك اللهُ مثلها في الآخرة، قال: أتريد أن أعفوَ عنك، قال: إن كان العفو فمن الله تعالى، أمّا أنت فلا أريده منك، فاغتاظ الحجاج، وقال: السيف والنطع يا غلام، فتبَسَّم سعيد، فقال له الحجاج: وما تبسُّمك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلم الله عليك، قال: اقتله يا غلام، فاستقبل القبلة، وقال:
﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
[سورة الأنعام الآية: 79]
قال: حرِّفوه عن القبلة، فقال:
﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾
[سورة البقرة الآية: 115]
قال: كبُّوه على الأرض، فقال:
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾
[سورة طه الآية: 55]
قال: اذبحوا عدو الله، فما رأيت رجلاً أَدْعَى منه لآيات القرآن الكريم، فرفع سعيد كفَّيه، وقال: اللهم لا تسلِّط الحجاجَ على أحد بعدي .

قال: فلم يمضِ على مصرع سعيد بن جبير غير خمسة عشر يوماً, حتى حمَّ الحجاج، واشتدت عليه وطأةُ المرض، فكان يغفو ساعة ويفيق أخرى، فإذا غفا غفوة, استيقظ مذعوراً, وهو يصيح: هذا سعيد بن جبير آخذ بخناقي، هذا سعيد بن جبير، يقول: فيمَ قتلتني؟ ثم يبكي، ويقول: مالي ولسعيد جبير، ردّوا عني سعيد بن جبير .
فلما قضى نحبه، وورِي في ترابه، رآهم بعضهم في الحلم، فقال له: ما فعل الله بك فيمن قتلتهم يا حجاج؟ قال: قتلني اللهُ بكل امرئ قتلة واحدة، وقتلني بسعيد بن جبير سبعين قتلة)) .
________________________________________________
كتبه فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي-التابعي سعيد بن جبير.


ليست هناك تعليقات:

اكتـب تـــــعليقا لبـرامج الانبــــار


بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

صدق اللَّهُ العظيم


ملاحظة:آرائكم تسعدنا, لمتابعة التعليق حتى نرد عليك فقط ضع إشارة على إعلامي



يتم التشغيل بواسطة Blogger.