أيهما أصح : «تمنياتي لكم التوفيق» أو «أرجو لكم التوفيق»؟
قبل الإجابة عن التساؤل في عنوان الموضوع ، اسمحوا لي بهذه المقدمة اليسيرة .
ورد في كتاب الله العلي القدير كلمة :
أَمَانِيُّهُمْ ، كما في سورة البقرة :
( وقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) الآية 111
كما ورد في أكثر من موضع كلمة يَرْجُون َ :
( إنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) الآية (218) من سورة البقرة .
فهل هناك فرق بين الرجاء والتمني ؟
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله- :
التمني يكون مع الكسل، ولا يسلك صاحبه طريق الجد، والاجتهاد.
والرجاء يكون مع بذل الجهد، وحسن التوكل.
فالأول: كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها، ويأخذ زرعها.
والثاني: كحال من يشق أرضه، ويفلَحها، ويبذرها، ويرجو طلوع الزرع.
فمن عمل بطاعة الله ورجا ثوابه، أو تاب من الذنوب ورجا مغفرته، فهو: الراجي .
ومن رجا الرحمة والمغفرة بلا طاعة ولا توبة، فهو (مُتَمَـنٍّ)، ورجاؤه، كاذب . انتهى كلامه .
وقال العلامة إبن القيم - رحمه الله تعالى :
والفرق بين الرجاء والتمني أن الرجاء يكون مع بذل الجهد واستفراغ الطاقة في الإتيان بأسباب الظفر والفوز .
والتمني حديث النفس بحصول ذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه قال تعالى " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله " فطوى سبحانه بساط الرجاء إلا عن هؤلاء وقال المغترون إن الذين ضيعوا أوامره وارتكبوا نواهيه واتبعوا ما أسخطه وتجنبوا ما يرضيه أولئك يرجون رحمته وليس هذا ببدع من غرور النفس والشيطان لهم فالرجاء لعبد قد امتلأ قلبه من الإيمان بالله واليوم الآخر فمثل بين عينيه ما وعده الله تعالى من كرامته وجنته امتد القلب مائلا إلى ذلك شوقا إليه وحرصا عليه فهو شبيه بالماد عنقه إلى مطلوب قد صار نصب عينيه وعلامة الرجاء الصحيح أن الراجي يخاف فوت الجنة وذهاب حظه منها بترك ما يخاف أن يحول بينه وبين دخولها . انتهى كلامه.
فالتمني: رجاء مع الكسل،
والرجاء: تمن مع العمل،
فالطالب الذي يلعب طوال السنة ثم إذا جاء وقت الامتحان تمنى أن يكون من الأوائل صاحب أماني، ومن الصعب أن تتحقق أمنيته، وأما الطالب الذي يجتهد طوال السنة ثم يتمنى أن يكون من الأوائل فإن أمنيته من الممكن جداً أن تتحقق، فالأول صاحب تمني، والثاني صاحب رجاء، وهذا هو الفرق بين التمني والرجاء.
كذلك الفلاح الذي يهتم بزرعه فيسقيه ويسمده وينميه ثم يأمل أن يأتي المحصول جيداً هذا العام، فهذا من باب الرجاء، وأما المتمني فقط فهو الذي يغرس زرعاً ثم لا يعبأ به ولا يهتم به، ثم يتمنى أن ينبت له الزرع، ويجمع المحصول.
والتمني نوع من التطلع ، واستبعاد المُنتظر المترقب كقوله تعالى: (يا لَيْتَني كُنتُ معَهُم فأفوزَ فوْزاً عظيماً) ، والرجاء نوع من المقاربة والتوقع لما يجوز وقوعه، لذا فإن الكثير يخلط بينهما ويقع العديد منهم في خطأ لغوي يوصف على أنه شائع بين المتحدثين وهو قول: «تمنياتي لكم التوفيق».
فـ التمني يقع على ما يجوز أن يكون ويجوز ألاّ يكون ،
و أما الترجي فيختص بما يجوز وقوعه ، وهذا المعنى يكون راجع إلى المتكلم إذا كان يعلم أو يعتقد أن أمنيته لا يمكن أن تتحق لوجود موانع معينة تمنعها من ذلك.
وبذلك يكون التمني متعلقاً بعلم المتكلم واعتقاده .
وقول عبارة :
«تمنياتي لكم» على غير أصل والأنسب استبدالها بـ: «دُعائي لكم بالتوفيق» أو
«أرجو لكم التوفيق».