ماهي الوقفات التي يجب ان يقف عندها كل داعية
1- اعلم -وفقني الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة- أن نقل إنسان من طريق الغواية إلى جادة الصواب والهداية يعد من أعظم الأعمال وأشرف المهمات، والتي من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، فبلّغوا الرسالة، وأدّوا الأمانة، ونصحوا لأممهم، وأعطوا الراية لمن جاء من بعدهم، ليواصلوا مشوار الدعوة إليه تعالى، ويخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
وأنت -أخي الداعية- يا من حملت راية الأنبياء وسلكت طريق الرسل الأصفياء عليك أن تعتز بطريقك الذي سرت فيه، وتفرح بالمنهج الذي تدعو إليه،
لعل الله أن يجمعنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
2- واعلم -حفظك الله- بل واجعل نصب عينيك دومًا «لأن يهدي الله ربك رجلاً واحدًا، خير لك من حمر النعم» وايم الله، إن هذا الخير العظيم، والوعد الكريم، لجدير بأن يبذل فيه الوسع ويستفرغ فيه الجهد، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
3- ولا يذهبن عن ذهنك -أخي المسلم وأختي المسلمة- أن خير الوسائل الدعوية تتمثل في المعاملة الحسنة، والخلق الجميل، والابتسامة المشرقة، ولعلي أذكرك بقول المصطفى (صل الله عليه وسلم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وبقوله: «وخالق الناس بخلق حسن».
4- كما أن المظهر الحسن، والرائحة الطيبة، والتجمل، والسواك، وغيرها عوامل مساعدة لابد أنها موجودة، رسولنا -عليه السلام- يقول لنا: «تجملوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس».
5- إن وسائل الدعوة هي أدواتها، والأدوات تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان، كآلات الحرب والزراعة والكتابة والنقل ونحوها.
6- وبناءً على ما قرره علماؤنا الأجلاء فإني أحب أن أبين لك أن وسائل الدعوة توقيفية اجتهادية نابعة من أصل ثابت راسخ هو }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{.
7- إن الوسائل معابر وطرق للوصول إلى الأهداف المنشودة، فكما أن الهدف المنشود في الدعوة نبيل فلا بد أن تكون الوسائل كذلك، ولا يصح القيام بوسائل محرمة لتحقيق أهداف نبيلة كما يفعله النصارى مثلاً تحت بند «الغاية تبرر الوسيلة»، حيث يستخدمون أحط الوسائل وأخسها في سبيل الوصول إلى أهداف نبيلة –زعموا- وهي إدخال الناس في النصرانية، على الرغم من أن هذه الوسائل محرمة عليهم في دينهم.
8- ولعلك -أخي المسلم- تعلم أن أهم ما يميز الداعية المخلص هو التزامه بما يدعو إليه، ولا يفوتنك قول البشير النذير (صل الله عليه وسلم): «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر! فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهي عن المنكر وآتيه».
واستمع إلى ما جادت به قريحة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنى
ومن الضنى تمسي وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى
بالقول منك وينفع التعليم
9- قد تتعرض بعض الوسائل الدعوية لبعض العوارض أو المعوقات، وهذا أمر طبيعي يتكرر دائمًا نظرًا للصراع الدائم بين الحق والباطل؛ لذا على الداعية الحكيم الانتقال إلى وسائل أخرى وما أكثر البدائل، بل إن من الحكمة التي ينبغي أن يتصف بها الدعاة مراعاة الظروف الزمانية والمكانية للوسيلة المراد تطبيقها، فيأخذون بالمناسب من الوسائل، ويؤجلون غيرها إلى فرص أخرى.
10- واعلموا -أيها الدعاة- رجالا ونساء أن الاستقرار على طريقة دعوية واحدة قد يصيب الإنسان بالملل والتكاسل والفتور، ولذا فالتجديد مطلوب لحفز الهمم وإذكاء روح التنافس والإحساس بالحيوية المتجددة.
11- إن العمل الدعوي المنظم والمخطط له مسبقًا أجدى في تحقيق النجاح وأسرع في قطف الثمار.
12- إن اليد الواحدة لا تصفق، مَثلٌ معروف ومشهور لابد أن يطبقه الداعية على نفسه، ليعمل مع غيره في تكاتف وتعاون وتآلف، ليثمر العمل وتقطف النتيجة.
13- إن الصبر دعامة أساسية من دعامات الدعوة إلى الله تعالى، فمع الصبر ينال الظفر، والصبر مفتاح الفرج، والأيام دول، فلابد من الصبر والمصابرة حتى يأتي الله بالفرج، فإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسرٌ يسرين.
14- اعلم -أيها الداعية المبارك حفظك الله بحفظه- أن الوسائل الدعوية كثيرة جدًّا، وهذا الكتيب يحوي نماذج منها فقط.
15- كما أحب أن أخبرك أن ما كان قديمًا من هذه الوسائل في مكان فهو جديد في مكان آخر، وما كان جديدًا عند فلان فقد يكون قديمًا عند غيره.
16- إن نظرات الناس -وخاصة الدعاة إلى الله تعالى- تختلف تجاه الجدوى المتعينة من هذه الوسائل أو من بعضها، لذا أرجو منك أن تعذرني إن رأيت ما لا يعجبك من هذه الوسائل.
17- إن ترتيب الوسائل لا يدل على أهمية المقدم منها على المؤخر.
18- واعلم -وفقك الله- إن كل إنسان لديه قدرات وإمكانات تحتاج إلى صقل واستغلال لتؤتي ثمارها يانعة، فعلى الداعية أن ينميها إذا اكتشفها أو كشفها له غيره، ويوظفها في مجالات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
19- لابد من غرس الحس الدعوي في أذهان الجميع صغارًا أو كبارًا، نساًء أو رجالاً، للعمل يدًا واحدة في سبيل النهوض بالمجتمع المسلم، ليتسنم مركزه السامي الذي فرط فيه وأعطاه لغيره - فالعمل لهذا الدين مسئولية الجميع.
20- على الداعية أن يضع أمام ناظريه ونصب عينيه قضية طالما قصرنا فيها ولم نعطها حقها إلا من رحم الله تعالى، وهي إنه لابد من الذهاب إلى الأماكن التي تحتاج إلى دعوة في المدن والقرى والهجر والبوادي وغيرها ولا ينتظر الداعية تجمع الآخرين وإتيانهم إليه للاستفادة منه في درس أو محاضرة أو خطبة أو لقاء عام أو خاص، فإن هناك أناسًا إن لم تذهب إليهم فلن يأتوا إليك أبدًا، ولنا في رسول الله (صل الله عليه وسلم) أسوة حسنة، فقد كان يعرض نفسه ودعوته على الحجاج في مواسم الحج المختلفة، وكان يذهب إلى منتديات الزعماء القرشيين وتجمعاتهم، كما ذهب بنفسه الشريفة وحيدًا إلى منطقة الطائف ليدعو أهلها، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة والعديدة.
ولا يخفى عليك -أخي المسلم- أن الأعداء ركزوا على هذا الجانب كثيرًا من خلال عزونا في الصميم مثل (البث المباشر - الإذاعات التنصيرية - الاستشراق - الإعلام الوافد) إلى آخر ذلك، بل إن إرسالياتهم لتبعد أكثر من ذلك، حيث تتوغل في مجاهل الصحاري وأوغال الغابات ووسط القبائل المتوحشة، يتحملون في ذلك الحر الشديد والبرد القارص والأمراض الفتاكة والحياة البدائية، فالله المستعان من جلد الفاجر وعجز الثقة.
21- اعلم -أيها الأخ المبارك- أن بعض الدعاة يطغى عليه جانب السلبية، فتجده يداوم على حضور المحاضرات والدروس العلمية ويستمع إلى أشرطة العلماء بشكل مكثف، ولكن يا ترى هل ينقل ما تلقي وتعلّم وقامت عليه به الحجة إلى الآخرين، ليكون إيجابيًّا في مجتمعه؛ يأخذ ويعطي، يتعلم ويعلم، يدعى ويدعو أم لا؟ ومن أي صنف أنت؟ أترك الإجابة لك.
22- قد يحصل لك -أيها الداعي الموفق- من جراء تطبيقك لأحد وسائل الدعوة بعض الابتلاء وقليل من الامتحان، فوطن نفسك على الصبر والتحمل، فإن طريق الدعوة طويل وشاق محفوف بالمكاره والمشاق.
23- وهذه وقفة مهمة أرجو أن تلاحظها وتنتبه لها، فالوسائل المذكورة في هذا الكتيب المتواضع هي للأفراد فقط في أغرب فقراتها، لذلك جاءت مبسطة سهلة ميسورة، وإلا فالجماعات والمؤسسات الدعوية الكبيرة في إمكانها أن تقوم بأضعاف ما ذكر في فترات وجيزة جدًّا.
24- على الداعية -مهما بلغ من العلم الشرعي أو المركز الوظيفي- ألا يستهين بأحد الناس، فيدعو الصغير والكبير، فنحن بهذا العمل نمتح من ينبوع النبوة، ونستقي من معين الرسالة، ولعلي أذكرك بقصة طالما عرضت لقراء كتب التاريخ والسيرة عن ذلكم الراعي الأسود الذي أتى رسول الله (صل الله عليه وسلم)، وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم له كان فيها أجيرًا لرجل من يهود فقالِ: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه عليه فأسلم، وكان رسول الله (صل الله عليه وسلم) لا يحقر أحدًا أن يدعوه إلى الإسلام ويعرضه عليه .. إلخ القصة، كما لا يفوتني في هذا المقام أن أطلب منك أن تراجع بعضًا من كتب التفاسير الموجودة لديك، لتطلع من خلالها على سبب نزول سورة «عبس وتولى».
25- إن الذي يسلك طريق الدعوة إلى الله حاملاً لواء الأنبياء وراية المرسلين، مقتديًا بهم متبعًا لآثارهم لابد له من الالتزام بمنهجهم، والسير في ركابهم، والاتصاف بصفاتهم، والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية إلى الله تعالى كثيرة وعديدة، وليس هذا مقام بسطها مفصلة، وإنما أذكرها لك -أيها المبارك- موجزة مختصرة، فمنها:
أ- الإخلاص والتجرد والإيمان بما تدعو إليه.
ب- اقتضاء العلم العمل.
ج- التخطيط والتنظيم والمتابعة.
د- الانضباط والتعقل وبُعد النظر.
ﻫ- الصبر والتحمل.
و- محاسبة النفس.
ز- فقه الواقع والوعي التام بأحوال الناس.
ط- التدرب على الإلقاء ومواجهة الآخرين.
26- وهذه الفقرة متعلقة بسابقتها، فبما أن الداعية لابد له من الاتصاف بجملة من الأوصاف المعنوية الملزمة فلا بد له كذلك من تأمين مجموعة من الأدوات المادية المساعدة في مجال الدعوة الرحب وميدانها الفسيح، ولعل ذلك يتمثل في أشياء عدة منها:
أ- عمل فهارس للنشرات والفتاوى وعناوين الأشرطة والكتيبات بحسب المواضيع، وترتب وتنظم وتحفظ في ملفات بلاستيكية ليسهل الرجوع إليها والاستفادة منها.
ب- اشتراك في مجلة أسبوعية وأخرى شهرية وثالثة دورية، لمتابعة كل جديد في المجالات العلمية والثقافية والسياسية، وتكون المجلات المقصودة ذات توجه إسلامي سليم.
ج- تأمين جملة من الأجهزة الإلكترونية للمساعدة في تحقيق وسائل الدعوة مثل جهاز كمبيوتر، وآلة تصوير، وجهاز فاكس، وجهاز نسخ أشرطة صوتية، وغيرها من الأجهزة.
د- حبذا لو كان للداعية مكتبة مستقلة في منزله مقروءة ومسموعة، ولا تخلو هذه المكتبة من مكتب وقرطاسية متكاملة.
ﻫ- حبذا لو يخصص الداعية مبلغًا مقطوعًا كقسط شهري، يدفعه من محصوله ليساهم في دعم المسيرة الدعوية.
27- للدعوة ميادين كثيرة، وساحات من العمل كبيرة تنتشر على رقعة واسعة ذات أبعاد فسيحة تناسب جميع القدرات، وتستوعب كل الإمكانات، وهذا عرض موجز مختصر لبعض هذه الميادين التي يمكن للفرد أن يمارس نشاطه الدعوي من خلالها:
أ- محيط الأسرة من زوجة وأولاد وأقارب وأرحام.
ب- المسجد المجاور وغيره من المساجد والمدرسة والكلية ومكان العمل.
ج- السفر إلى الخارج والنزهات البرية وطرق السفر ومناطق النزهات والشواطئ والمصايف.
د- التجمعات الأسرية العامة والخاصة.
ﻫ- الأندية الرياضية والحدائق وأماكن الترفيه وألعاب الأطفال.
و- القرى والهجر والبوادي والمناطق النائية ومخيمات الحجاج والمخيمات الربيعية وغيرها.
ز- مراكز البث من إذاعة وتلفاز وصحافة ودور نشر ومكتبات وغيرها.
ح- المحلات التجارية بشتى تخصصاتها.
ط- وسائل النقل العامة والخاصة من سيارات وقطارات وسفن وطائرات.
ي- الحي الذي يسكنه الداعية والأحياء المجاورة له.
28- وأخيرًا.
لا بد أن تعلم -أخي الداعي وأختي الداعية- أن المحاضرة والكلمة والدرس والندوة والخطبة والنشرة والكتب المؤلفة والكتيبات المصنفة وما شابه ذلك، يعد أهم البرامج الدعوية على الإطلاق، بل وغالب وسائل الدعوة الآتي ذكرها تستقى وتمتح من هذه البرامج، فهي روافد وجداول لنهر الدعوة الكبير، فبدونها قد يضعف مسير النهر ويقل اندفاعه، ومن ثم يجف وييبس، لذا فعليكم -أيها الدعاة- أن تعدوا أنفسكم لهذه المهمة الجليلة والمرتبة العظيمة لتكونوا خير خلف لخير سلف، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
1- اعلم -وفقني الله وإياك إلى ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة- أن نقل إنسان من طريق الغواية إلى جادة الصواب والهداية يعد من أعظم الأعمال وأشرف المهمات، والتي من أجلها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب، فبلّغوا الرسالة، وأدّوا الأمانة، ونصحوا لأممهم، وأعطوا الراية لمن جاء من بعدهم، ليواصلوا مشوار الدعوة إليه تعالى، ويخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
وأنت -أخي الداعية- يا من حملت راية الأنبياء وسلكت طريق الرسل الأصفياء عليك أن تعتز بطريقك الذي سرت فيه، وتفرح بالمنهج الذي تدعو إليه،
لعل الله أن يجمعنا مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين في جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
2- واعلم -حفظك الله- بل واجعل نصب عينيك دومًا «لأن يهدي الله ربك رجلاً واحدًا، خير لك من حمر النعم» وايم الله، إن هذا الخير العظيم، والوعد الكريم، لجدير بأن يبذل فيه الوسع ويستفرغ فيه الجهد، ولمثل هذا فليعمل العاملون.
3- ولا يذهبن عن ذهنك -أخي المسلم وأختي المسلمة- أن خير الوسائل الدعوية تتمثل في المعاملة الحسنة، والخلق الجميل، والابتسامة المشرقة، ولعلي أذكرك بقول المصطفى (صل الله عليه وسلم): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وبقوله: «وخالق الناس بخلق حسن».
4- كما أن المظهر الحسن، والرائحة الطيبة، والتجمل، والسواك، وغيرها عوامل مساعدة لابد أنها موجودة، رسولنا -عليه السلام- يقول لنا: «تجملوا حتى تكونوا كأنكم شامة في عيون الناس».
5- إن وسائل الدعوة هي أدواتها، والأدوات تتبدل وتتغير بتغير الزمان والمكان، كآلات الحرب والزراعة والكتابة والنقل ونحوها.
6- وبناءً على ما قرره علماؤنا الأجلاء فإني أحب أن أبين لك أن وسائل الدعوة توقيفية اجتهادية نابعة من أصل ثابت راسخ هو }ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{.
7- إن الوسائل معابر وطرق للوصول إلى الأهداف المنشودة، فكما أن الهدف المنشود في الدعوة نبيل فلا بد أن تكون الوسائل كذلك، ولا يصح القيام بوسائل محرمة لتحقيق أهداف نبيلة كما يفعله النصارى مثلاً تحت بند «الغاية تبرر الوسيلة»، حيث يستخدمون أحط الوسائل وأخسها في سبيل الوصول إلى أهداف نبيلة –زعموا- وهي إدخال الناس في النصرانية، على الرغم من أن هذه الوسائل محرمة عليهم في دينهم.
8- ولعلك -أخي المسلم- تعلم أن أهم ما يميز الداعية المخلص هو التزامه بما يدعو إليه، ولا يفوتنك قول البشير النذير (صل الله عليه وسلم): «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر! فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهي عن المنكر وآتيه».
واستمع إلى ما جادت به قريحة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام من الضنى
ومن الضنى تمسي وأنت سقيم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى
بالقول منك وينفع التعليم
9- قد تتعرض بعض الوسائل الدعوية لبعض العوارض أو المعوقات، وهذا أمر طبيعي يتكرر دائمًا نظرًا للصراع الدائم بين الحق والباطل؛ لذا على الداعية الحكيم الانتقال إلى وسائل أخرى وما أكثر البدائل، بل إن من الحكمة التي ينبغي أن يتصف بها الدعاة مراعاة الظروف الزمانية والمكانية للوسيلة المراد تطبيقها، فيأخذون بالمناسب من الوسائل، ويؤجلون غيرها إلى فرص أخرى.
10- واعلموا -أيها الدعاة- رجالا ونساء أن الاستقرار على طريقة دعوية واحدة قد يصيب الإنسان بالملل والتكاسل والفتور، ولذا فالتجديد مطلوب لحفز الهمم وإذكاء روح التنافس والإحساس بالحيوية المتجددة.
11- إن العمل الدعوي المنظم والمخطط له مسبقًا أجدى في تحقيق النجاح وأسرع في قطف الثمار.
12- إن اليد الواحدة لا تصفق، مَثلٌ معروف ومشهور لابد أن يطبقه الداعية على نفسه، ليعمل مع غيره في تكاتف وتعاون وتآلف، ليثمر العمل وتقطف النتيجة.
13- إن الصبر دعامة أساسية من دعامات الدعوة إلى الله تعالى، فمع الصبر ينال الظفر، والصبر مفتاح الفرج، والأيام دول، فلابد من الصبر والمصابرة حتى يأتي الله بالفرج، فإن مع العسر يسرًا، إن مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسرٌ يسرين.
14- اعلم -أيها الداعية المبارك حفظك الله بحفظه- أن الوسائل الدعوية كثيرة جدًّا، وهذا الكتيب يحوي نماذج منها فقط.
15- كما أحب أن أخبرك أن ما كان قديمًا من هذه الوسائل في مكان فهو جديد في مكان آخر، وما كان جديدًا عند فلان فقد يكون قديمًا عند غيره.
16- إن نظرات الناس -وخاصة الدعاة إلى الله تعالى- تختلف تجاه الجدوى المتعينة من هذه الوسائل أو من بعضها، لذا أرجو منك أن تعذرني إن رأيت ما لا يعجبك من هذه الوسائل.
17- إن ترتيب الوسائل لا يدل على أهمية المقدم منها على المؤخر.
18- واعلم -وفقك الله- إن كل إنسان لديه قدرات وإمكانات تحتاج إلى صقل واستغلال لتؤتي ثمارها يانعة، فعلى الداعية أن ينميها إذا اكتشفها أو كشفها له غيره، ويوظفها في مجالات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
19- لابد من غرس الحس الدعوي في أذهان الجميع صغارًا أو كبارًا، نساًء أو رجالاً، للعمل يدًا واحدة في سبيل النهوض بالمجتمع المسلم، ليتسنم مركزه السامي الذي فرط فيه وأعطاه لغيره - فالعمل لهذا الدين مسئولية الجميع.
20- على الداعية أن يضع أمام ناظريه ونصب عينيه قضية طالما قصرنا فيها ولم نعطها حقها إلا من رحم الله تعالى، وهي إنه لابد من الذهاب إلى الأماكن التي تحتاج إلى دعوة في المدن والقرى والهجر والبوادي وغيرها ولا ينتظر الداعية تجمع الآخرين وإتيانهم إليه للاستفادة منه في درس أو محاضرة أو خطبة أو لقاء عام أو خاص، فإن هناك أناسًا إن لم تذهب إليهم فلن يأتوا إليك أبدًا، ولنا في رسول الله (صل الله عليه وسلم) أسوة حسنة، فقد كان يعرض نفسه ودعوته على الحجاج في مواسم الحج المختلفة، وكان يذهب إلى منتديات الزعماء القرشيين وتجمعاتهم، كما ذهب بنفسه الشريفة وحيدًا إلى منطقة الطائف ليدعو أهلها، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة والعديدة.
ولا يخفى عليك -أخي المسلم- أن الأعداء ركزوا على هذا الجانب كثيرًا من خلال عزونا في الصميم مثل (البث المباشر - الإذاعات التنصيرية - الاستشراق - الإعلام الوافد) إلى آخر ذلك، بل إن إرسالياتهم لتبعد أكثر من ذلك، حيث تتوغل في مجاهل الصحاري وأوغال الغابات ووسط القبائل المتوحشة، يتحملون في ذلك الحر الشديد والبرد القارص والأمراض الفتاكة والحياة البدائية، فالله المستعان من جلد الفاجر وعجز الثقة.
21- اعلم -أيها الأخ المبارك- أن بعض الدعاة يطغى عليه جانب السلبية، فتجده يداوم على حضور المحاضرات والدروس العلمية ويستمع إلى أشرطة العلماء بشكل مكثف، ولكن يا ترى هل ينقل ما تلقي وتعلّم وقامت عليه به الحجة إلى الآخرين، ليكون إيجابيًّا في مجتمعه؛ يأخذ ويعطي، يتعلم ويعلم، يدعى ويدعو أم لا؟ ومن أي صنف أنت؟ أترك الإجابة لك.
22- قد يحصل لك -أيها الداعي الموفق- من جراء تطبيقك لأحد وسائل الدعوة بعض الابتلاء وقليل من الامتحان، فوطن نفسك على الصبر والتحمل، فإن طريق الدعوة طويل وشاق محفوف بالمكاره والمشاق.
23- وهذه وقفة مهمة أرجو أن تلاحظها وتنتبه لها، فالوسائل المذكورة في هذا الكتيب المتواضع هي للأفراد فقط في أغرب فقراتها، لذلك جاءت مبسطة سهلة ميسورة، وإلا فالجماعات والمؤسسات الدعوية الكبيرة في إمكانها أن تقوم بأضعاف ما ذكر في فترات وجيزة جدًّا.
24- على الداعية -مهما بلغ من العلم الشرعي أو المركز الوظيفي- ألا يستهين بأحد الناس، فيدعو الصغير والكبير، فنحن بهذا العمل نمتح من ينبوع النبوة، ونستقي من معين الرسالة، ولعلي أذكرك بقصة طالما عرضت لقراء كتب التاريخ والسيرة عن ذلكم الراعي الأسود الذي أتى رسول الله (صل الله عليه وسلم)، وهو محاصر لبعض حصون خيبر ومعه غنم له كان فيها أجيرًا لرجل من يهود فقالِ: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه عليه فأسلم، وكان رسول الله (صل الله عليه وسلم) لا يحقر أحدًا أن يدعوه إلى الإسلام ويعرضه عليه .. إلخ القصة، كما لا يفوتني في هذا المقام أن أطلب منك أن تراجع بعضًا من كتب التفاسير الموجودة لديك، لتطلع من خلالها على سبب نزول سورة «عبس وتولى».
25- إن الذي يسلك طريق الدعوة إلى الله حاملاً لواء الأنبياء وراية المرسلين، مقتديًا بهم متبعًا لآثارهم لابد له من الالتزام بمنهجهم، والسير في ركابهم، والاتصاف بصفاتهم، والصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الداعية إلى الله تعالى كثيرة وعديدة، وليس هذا مقام بسطها مفصلة، وإنما أذكرها لك -أيها المبارك- موجزة مختصرة، فمنها:
أ- الإخلاص والتجرد والإيمان بما تدعو إليه.
ب- اقتضاء العلم العمل.
ج- التخطيط والتنظيم والمتابعة.
د- الانضباط والتعقل وبُعد النظر.
ﻫ- الصبر والتحمل.
و- محاسبة النفس.
ز- فقه الواقع والوعي التام بأحوال الناس.
ط- التدرب على الإلقاء ومواجهة الآخرين.
26- وهذه الفقرة متعلقة بسابقتها، فبما أن الداعية لابد له من الاتصاف بجملة من الأوصاف المعنوية الملزمة فلا بد له كذلك من تأمين مجموعة من الأدوات المادية المساعدة في مجال الدعوة الرحب وميدانها الفسيح، ولعل ذلك يتمثل في أشياء عدة منها:
أ- عمل فهارس للنشرات والفتاوى وعناوين الأشرطة والكتيبات بحسب المواضيع، وترتب وتنظم وتحفظ في ملفات بلاستيكية ليسهل الرجوع إليها والاستفادة منها.
ب- اشتراك في مجلة أسبوعية وأخرى شهرية وثالثة دورية، لمتابعة كل جديد في المجالات العلمية والثقافية والسياسية، وتكون المجلات المقصودة ذات توجه إسلامي سليم.
ج- تأمين جملة من الأجهزة الإلكترونية للمساعدة في تحقيق وسائل الدعوة مثل جهاز كمبيوتر، وآلة تصوير، وجهاز فاكس، وجهاز نسخ أشرطة صوتية، وغيرها من الأجهزة.
د- حبذا لو كان للداعية مكتبة مستقلة في منزله مقروءة ومسموعة، ولا تخلو هذه المكتبة من مكتب وقرطاسية متكاملة.
ﻫ- حبذا لو يخصص الداعية مبلغًا مقطوعًا كقسط شهري، يدفعه من محصوله ليساهم في دعم المسيرة الدعوية.
27- للدعوة ميادين كثيرة، وساحات من العمل كبيرة تنتشر على رقعة واسعة ذات أبعاد فسيحة تناسب جميع القدرات، وتستوعب كل الإمكانات، وهذا عرض موجز مختصر لبعض هذه الميادين التي يمكن للفرد أن يمارس نشاطه الدعوي من خلالها:
أ- محيط الأسرة من زوجة وأولاد وأقارب وأرحام.
ب- المسجد المجاور وغيره من المساجد والمدرسة والكلية ومكان العمل.
ج- السفر إلى الخارج والنزهات البرية وطرق السفر ومناطق النزهات والشواطئ والمصايف.
د- التجمعات الأسرية العامة والخاصة.
ﻫ- الأندية الرياضية والحدائق وأماكن الترفيه وألعاب الأطفال.
و- القرى والهجر والبوادي والمناطق النائية ومخيمات الحجاج والمخيمات الربيعية وغيرها.
ز- مراكز البث من إذاعة وتلفاز وصحافة ودور نشر ومكتبات وغيرها.
ح- المحلات التجارية بشتى تخصصاتها.
ط- وسائل النقل العامة والخاصة من سيارات وقطارات وسفن وطائرات.
ي- الحي الذي يسكنه الداعية والأحياء المجاورة له.
28- وأخيرًا.
لا بد أن تعلم -أخي الداعي وأختي الداعية- أن المحاضرة والكلمة والدرس والندوة والخطبة والنشرة والكتب المؤلفة والكتيبات المصنفة وما شابه ذلك، يعد أهم البرامج الدعوية على الإطلاق، بل وغالب وسائل الدعوة الآتي ذكرها تستقى وتمتح من هذه البرامج، فهي روافد وجداول لنهر الدعوة الكبير، فبدونها قد يضعف مسير النهر ويقل اندفاعه، ومن ثم يجف وييبس، لذا فعليكم -أيها الدعاة- أن تعدوا أنفسكم لهذه المهمة الجليلة والمرتبة العظيمة لتكونوا خير خلف لخير سلف، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليست هناك تعليقات:
اكتـب تـــــعليقا لبـرامج الانبــــار
بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
صدق اللَّهُ العظيم
ملاحظة:آرائكم تسعدنا, لمتابعة التعليق حتى نرد عليك فقط ضع إشارة على إعلامي