اهلا بك عزيزي الزائر في موقع برامج الانبار
أحدث المواضيع
||

12/19/2015

ففروا الى الله وماهي المحفزات والعلامات على الفرار إلى الله



ففروا الى الله وماهي المحفزات على الفرار إلى الله ومن علامات التوبة أيها الفار إلى ربه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، عز فارتفع، وكل شيء له ذل وخضع، رافع السحاب، مسبب الأسباب، خالق خلقه من تراب، يعطي ويمنع، يذل ويرفع، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، لا إله إلا الله، يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، لا إله إلا الله بيده الملك، وبيد الخير، وهو على كل شيء قدير، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، له الجمال والكمال والجلال، سبحانه وبحمده، لا إله إلا هو، ولا رب سواه، هو القائل: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 47-50].

ففروا الى الله,الله,ففروا

سنة الأنبياء والصالحين
الحمد لله رب العالمين، فر إليه آدم، بعد أكله من الشجرة، فقبله.
وفر إليه نوح عليه السلام بعد أن قال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}
[هود: 45] الآية. قال الله له:
{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] فتاب إلى ربه وقبله ربه.
وفر إليه إبراهيم عليه السلام بينما النيران من حوله ستحرقه، يأتيه جبريل ويقول: ألك حاجة؟ فيقول إبراهيم مختارًا الفرار الحقيقي الواحد، الذي ليس لأحد سواه فرار، يقول لجبريل: «أما منك فلا، أما من الله، فنعم، حسبي الله ونعم الوكيل»([1])؛ فقال سبحانه وبحمده: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}
[الأنبياء: 69].
وهذا يونس عليه السلام يلتقمه الحوت فيصير في ظلمات ثلاث؛ في بطن الحوت ظلمة، وفي البحر ظلمة، وفي الليل ظلمة، ظلمات وأي ظلمات؟ ها هو عليه السلام يفر إلى ربه، لا يجد ملجأ سواه، لا يجد من يشكو إليه إلا الله، لا يوجد من ينقذه؛ لا سلاح حدود، ولا أناس ولو كثروا؛ إنه حوت فمن ينقذه منه، ومن ينجيه؟ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}
[الأنبياء: 87، 88].
نعم وفر إليه جل جلاله وتقدست أسماؤه فر إليه موسى لما قتل، ورمى الألواح، وفي نسختها هدى.
وفر إليه محمد (صل الله عليه وسلم( سيد الأولين والآخرين، فكان يسكن كثيرًا حين يفزع إلى الصلاة، ويفر إلى ربه، وأمر أصحابه أن يفزعوا في الأمور كلها إلى الله.
فر إليه المذنبون فغفر لهم، فر إليه الجاهلون فعلمهم، فر إليه التائبون فقبلهم، فر إليه العباد فقربهم، وفر إليه العلماء، فرفعهم، وفر إليه المرضى فشفاهم، وفر إليه المسجونون ففك سجنهم، وفر إليه المهمومون ففرج عنهم، فر إليه المسؤولون فأعانهم، فر إليه الغرقى فأنقذهم.
وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، سحر فصبر، وطرد من بلده فصبر، ومات ولده وزوجه وعمه في حياته فصبر، تخرب حوله الأحزاب فصبر، ابتلي بالفقر والجوع والعطش فصبر، دهست رقبته حتى كادت تخرج عيناه الشريفتان - بأبي هو وأمي - فصبر، خُيِّر بين الدنيا والآخرة فبالآخرة ظفر وصلى الله عليه وسلم.

ففروا إلى الله...
أيها الحبيب:
ابن آدم، من أين لك ملجأ وملاذ؟ إلى من تفر؟ إلى الله عز وجل، من يلجؤك؟ من يعيذك؟ من يعصمك؟ من ينصرك؟ من يأويك؟ من ينجيك؟ من يحميك؟ من يكفيك؟ من يرحمك؟ من يصلح ولدك؟ من يصلح زوجتك؟ من يحفظ لك دينك؟ من يحفظ لك دنياك إلا الله؟ من يحفظ لك آخرتك إلا الله؟ من يغفر لك زلتك؟ من يستر عيبك؟ من يقبل توبتك؟ كم عصيناه، وستر علينا! ولو شاء لفضحنا، من الذي يقبل توباتنا إلا هو؟ من يعزنا إن أذلنا؟ من ينصران إن خذلنا؟ من يغنينا إن أفقرنا؟ {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات: 50].
يقول السعدي رحمه الله تعالى: سمي الرجوع إلى الله فرارًا؛ لأن في الرجوع لغير الله أنواع المخاطر والمكاره، وفي الرجوع إلى الله أنواع المحاب والسرور والسعادة والأمن والفوز.
فرارٌ يعين عليه:
1- مواعظ القصد.
2- نظر العبد في الحق الله عليه.
3- محاسبة النفس.
4- التوبة، وللتوبة أسرار: انكسار التائب، وندامة المسيء الذي يفر إلى الله والدار الآخرة.
حدثني شاب وقال: (أنا كنت غير مستقيم، جاءتني امرأة ساحرة، وأرادتني لبنتها زوجًا، فسحرتني، فأصبحت كالمجنون، ألهث وراءها، طلبًا للزواج منها، وهي ليست خيرة، ولا طيبة، ولا أريدها، ولكن أوهام وأوجاع، فجئت بيت الله الحرام، ممسوسًا مسحورًا، بي آلام، وأنا على غير استقامة ولا التزام، فمن لي إلا الله سبحانه وتعالى يصرف عني؟ ومن لي غير الله يشفيني؟ ومن لي غير الله يداوي ما بي؟ صليت ركعتين، ثم جئت إلى الملتزم، ثم دعوت: يا رب، يا ملاذي، يا معاذي، يا منجاي، يا رب، اللهم إن كنت مسحورًا، فاجعل الساحر الذي سحرني يتمني الموت، فلا يجده، ثم أردت أن أرجع، فأتاني رجل كبير في السن والله لا يعرفني ولا أعرفه فقال: (إن شاء الله) إنك مستجاب الدعوة، (ادع، ادع) فرجعت وصليت ركعتين يقول تعالى: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153] الآية.
يقول: صليت ودعوت، ثم رأيت أن الله شرح صدري للالتزام والاستقامة، ثم مفاجأة؛ اتُّصل علي، وقيل: أتعرف تلك الساحرة؟ أتعرف بنتها؟ أتعرف الذين آذوك؟ أتعرف الذين عذبوك؟ أتعرف الذين أرادوا أن يزوجوك بابنتهم رغمًا عنك، عن طريق الجن والشياطين؟ السحرة، القتلة، المذلولين، بحول من الله وقوة {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح: 4، 7] كم تساوي الشياطين كلها والسحرة كلهم؟ لا شيء.. لا شيء.. يقع حادث سيارة فصدمت البنت، والساحرة؛ ومع أن الصدمة بسيطة لكن أماتها الله، من يريدون أن يزوجوك إياها بالسحر؟ أماتها الله، أما الساحرة فنقلت إلى المستشفى.
- وهو في الملتزم يعتصم بالله وينكسر إلى الله ويقول: اللهم إن كنت مسحورًا، فاجعل من سحرني يتمنى الموت ولا يجده. إنها تتمني الموت الآن في المستشفى وها أنا الآن منَّ الله علي وهداني، لأني فررت إلى الله {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50].
نعم هو الفرار إلى الله، هو الرجوع إليه، يقول العلامة ابن القيم في كتابه [مواعظ القبور]: لما كان أكثر الناس أهل معاصي وذنوب، كان أكثر أصحاب القبور معذبين، والفائز في أهل القبور قليل، فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب، وظواهرها بالتراب وبالحجارة مبنيات في بواطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها، وإذا كان هذا شأن القبور ووعظها، يا من قل فراره إلى ربه وقلت صلاته للفرائض، إذا كان هذا شأن القبور ووعظها، فما الظن فيمن آلت إليه أحوال كثير من أهل وقتنا عند حضورهم الجنائز، انظروا إلى حالهم؛ الأصوات، الجوالات، لقد أصبحنا نسمع العجائب من أموالهم، كما أنه يرى من أفعالهم، إن دل هذا على شيء، فإنه يدل على أن القلوب، في مرض خطير، أو أنها ميتة، والعياذ بالله.
كتب أهل هذا الزمان أبياتًا، فتدبروها، يرعاكم الله:
قبور حول والميت منجدل





وضحكنا حاضر بالباب لم يغب

أمحفل العرس أم ميتًا تشيعه





تقارب؟ من كرب

وصفقة البيع عند القبر نعقدها





تفنينا من العطب

كأننا بعد هذا الميت في أمد





من الحياة بدار اللهو واللعب

قسوة القلب داء لا دواء له





إلا الرجوع إلى درب لنا رحب

هذي القبور بها الذكري لمتعظ





توابت إنما نادتك بالطلب

كم في القبور نعيمًا لست تدركه





وكم بها حفر للنار واللهب

إذا رأيت أناسًا عند مقبرة





في شغل دنياهم فالدين في عطب

جوالهم جال في هزل يروق لهم
"




وسامع الهزل ظن القوم في طرب

أسلافنا كلهم بالغم مشتغل





عند القبور لأمر ليس باللعب

تذكروا الموت إذا يأتي فيفجؤهم





بأنهم بالدنيا كانوا كمغترب

إما فميت ترى الأحزان كامنة





أين المعزى فالكل في رهب

لا تلهينك دنيا سوف تتركها





وآخر الأمر محمول على الخشب

من حين جئت إلى الدنيا فمتجه





نحو القبور ولو أمعنت في الهرب

هذي الحقيقة يا من غره أمل





قد جاوز الأمل المخطوط بالكتب

أنفاسنا والخطأ عدًا بلا خطأ





معاول هادمات عمرنا الخرب

من كان يضحك الأجداث ترقبه





فأمره عجب يدعو إلى العجب


المحفزات على الفرار إلى الله
محاسبة النفس:
يا من أحب الفرار إلى الله؛ أتريد معين محاسبة النفس؟
يقول ابن القيم: ومن فوائد محاسبة النفس أنه يعرف بذلك حق الله تعالى، ومن لم يعرف حق الله عليه، فإن عبادته لا تكاد تنفعه وهي قليلة المنفعة جدًا.
ثم ذكر الأثر الذي في مسند الإمام أحمد أنه قال: بلغني أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع فقال: يا رب ارحمه، فإني قد رحمته، فأوحى الله تعالى إليه: لو دعاني حتى ينقطع فوائده ما استجبت له حتى ينظر في حقي عليه.
وذكر الإمام أحمد عن بعض أهل العلم بالله أنه قال له رجل: إني لأكون في صلاتي فأبكي حتى يكاد ينبت البقل من دموعي. فقال له الإمام أحمد: إنك إن تضحك وأنت معترف لله بخطيئتك خير لك من أن تبكي وأنت مدل بعملك، وأنت ممتن، معجب مستكبر والعياذ بالله؛ فإن صلاة الدجال لا تصعد فوق رأسه.
ثم ذكر رحمه الله أن رجلاً من بني إسرائيل كانت له إلى الله حاجة، فتعبد، واجتهد، ثم طلب إلى الله تعالى حاجته فلم ير نجاحًا، فبات ليلة مزريًا على نفسه، محقرًا لها، ماقتًا لها، وقال: يا نفس مالك؟ وبات محزونًا قد أزرى على نفسه، وقال: والله ما من قبل ربي أتيت، ولكن من قبل نفسي، وألزم نفسه الملامة، فقضيت حاجته.
صلاح القلوب:
من أعظم أسباب الفرار إلى الله صلاح القلب.
ومن أعظم الإعانة فيه محاسبة النفس، وفساد القلب بإهمال المحاسبة.
يقول ابن القيم: ومن مصالح محاسبة النفس الاطلاع على عيوبها، ومن لم يطالع عيب نفسه لم يمكنه إزالته.
اعرف نفسك يا ابن آدم، اعرف نقمة الله عليك، اعرف فضله، اعرف كل خير أنت فيه كل صلاة، كل قيام ليل، كل صلاح أنت فيه، ليس لك فيه حول ولا قوة، إنما الحول فيه والقوة لصاحبه الذي لو شاء لأزاله عنك.
اسمع ما قاله بكر بن عبد الله المزني في مكة في عرفات في حج بيت الله، يقول: لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم لولا أني كنت فيهم.
يتهم نفسه، يزدريها، يحقر نفسه، يحاسب نفسه، ليس هذا قنوطًا، نعم يرجون رحمة الله.
قال السختياني: إذا ذكر الصالحون، كنت عنهم بناءٍ.
يقول هذا وهو صالح وداعية، وعالم معروف.
وانظر إلى سفيان الثوري الذي عرف بشجاعته وإمامته وقوله الحق، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وخوفه من الله، ورجوعه إليه، وتبتله، لما احتضر دخل عليه أبو الأشهب، وحماد بن سلمة، فقال له حماد: يا أبا عبد الله، أليس قد أمنت مما كنت تخافه؟ غلب جانب الرجاء، فقال الثوري: يا أبا سلمة، أتطمع لمثلي أن ينجو من النار؟! وسفيان الثوري من التابعين.
ويقول رسول الله  (صل الله عليه وسلم(: «خير الناس قرني»([2]) فأصحاب النبي يخافون على أنفسهم من النفاق، انظر إلى الفاروق.
ماذا يقول شيوخ الإسلام، والدعاة، والمصلحون والملتزمون والمستقيمون؟ نستغفر الله ونتوب إليه.
يا من أراد الفرار إلى الله، قال الله عز وجل: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين} [الأنعام: 61، 62].
أحد دعاة العصر في بريدة جاءه بعض الصالحين، وقد رأوا فيه رؤيا صالحة، أن الناس في مستنقعات وهو في مكان مرتفع، فجاءه أحدهم وقال: أيها الشيخ، لقد رأيت رؤيا، أن الناس في مستنقع وحل، وأنت في مرتفع.
قال الشيخ: اسكت وما تفيدني رؤياك، ولعل لي مقرًا في سقر. فانظر الخوف من الله عز وجل.
وجاء رجل إلى أحد الدعاة الزهاد الأحياء فسأله: جزاك الله خيرًا كيف يكون الإنسان زاهدًا؟
قال: ألم تجد من تسأله إلا أنا؟
يقول ذلك وهو يسكن في بيت من طين، ببيت بغير فراش ولا كهرباء، يقول: اسأل هذا السؤال غيري، اذهب إلى العباد الصادقين، هذا مثال منا يعيش بيننا، لا تقل: ذهبت بعيدًا، هؤلاء لهم أحوال ونحن في أحوال، ادع ربك، قل: يا رب أعطني؛ لأن الملك ملكه والخير خيره، والرحمة رحمته، والفضل فضله، وخزائن السموات والأرض بيده سبحانه وتعالى.
هذا يونس بن عبيد يقول: إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير، ويقول: أعلم أني ما بي واحدة من هذه الخصال. خوفًا من الله عز وجل.
هذا الرجوع إلى الله؛ لأن الواحد لو رأى نفسه وأعماله، قل فراره، وقل خوفه.
يقول أبو حفص النيسابوري رحمه الله: من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أوقاته جرها بقيام الليل، جرها بالذكر، وجرها بالعبادة، جرها بقراءة القرآن، جرها في كل وقت بطاعة قال: ومن نظر إليها باستحسان، فقد أهلكها.
اسمعوا حبيبكم عمر، وحبيب النبي  (صل الله عليه وسلم( قبلكم، فاروق الأمة، كان يقول النبي  (صل الله عليه وسلم(: «دخلت أنا وأبو بكر وعمر»([3])، ويقول  (صل الله عليه وسلم(: «ليلة أسري بي، رأيت قصرًا أبيض قلت: لمن؟ قالوا: لأبي بكر، ورأيت آخر قلت: لمن؟ قالوا: لعمر»([4])، فعمر من أهل الجنة، ومع هذا يقول لحذيفة بن اليمان، يا حذيفة، هل سماني رسول الله  (صل الله عليه وسلم( من المنافقين؟ كيف تقول هذا الكلام يا عمر وقد رأى النبي  (صل الله عليه وسلم( قصرك في الجنة، وأنت تسمعه: «رأيت قصرك يا عمر في الجنة فأردت دخوله، فرأيت جارية في القصر، فتذكرت غيرتك فاستحييت»، فبكى عمر ونزلت الدموع من عينيه وقال: أعلى مثلك أغار يا رسول الله؟([5]) عمر الذي إذا مشي في وادٍ مشى الشيطان في فج آخر، ولا يمشي في واد مشى فيه الفاروق t وأرضاه، وإذا صلى بين يدي الله كان له خطان أسودان من الدموع، ومع ذلك انظروا كيف يدعو، وماذا يقول؛ إنه يقول: اللهم اغفر لي ظلمي وكفري.
عجيب! عمر يقول هذا! فقال قائل: يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر، قال: قول الله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
كم ظلمنا وكم ابتعدنا؟ وكتب t إلى بعض عماله: حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة؛ فإن من حاسب نفسه في الرخاء، قبل حساب الشدة، عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهمته حياته، وشغلته أهواؤه، عاد أمره إلى الندامة والخسارة.
إخواني وأحبائي:
الخسارة على من لا يحاسب نفسه اليوم، {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30].
يقول ابن القيم وقد ذكر توبة ابن الستين: قال محاسبًا لنفسه وكل واحد يضع نفسه مكان هذا الرجل، فيحاسب نفسه، جاء في يوم وحاسب نفسه: كم عمري؟ قال: أنا ابن الستين.
قال ابن القيم: فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب عمره كم يومًا في الستين؟ فإذا هي واحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ وقال: (يا ويلتاه ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب حيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟) ثم خر مغشيًا عليه، فإذا هو ميت، فسمعوا قائلاً ينادي ويقول: (يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى).
التوبة والأوبة:
يا من أراد الفرار إلى الله عز وجل، إن من أكثر ما يعينك على الفرار إلى الله تبارك وتعالى التوبة، والأوبة، والرجوع إلى الله.
يذكر القرطبي - رحمه الله تعالى - تفسيرًا عجيبًا في تفسير قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، قال: الفرار من المعاصي إلى الطاعات، كلنا في موازيننا سيئات، والدليل قول الله عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 6] يعني بالحسنات على السيئات والعكس {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: 8]، يعني في كل ميزان حسنات وسيئات، لا يوجد أحد إلا مذنب، ومخطئ، لكن من الذي ثقلت حسناته على سيئاته، قال رحمه الله: من معاني الفرار إلى الله: الفرار من المعاصي إلى الطاعات، وابن عباس قال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}؛ يعني التوبة ففروا إلى الله من ذنوبكم.
أخي الحبيب: وأختي المباركة:
لنمكث قليلاً، ونعيش مع التائبين إلى الله عز وجل، مع التوبة إلى الله عز وجل وكيف أحوالك مع الله عز وجل؟ الذي يفر إلى أحد لابد أن يعرف من هو؟ لابد أن يعرف عظمته وجلاله وجماله، وهذا ليس بشيء في العلم الحقيقي بالله سبحانه وتعالى.
كثير من الناس يظن أن التوبة هي التوبة من الكبائر والفواحش، لا بل هذا مطلوب من كل عبد، قال عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] كلنا لابد أن يتوب، الذي لا يتوب من هذا مذنب ذنبًا عظيمًا.
قد يقول شخص: (يا رجل! أنا أصلي وأصوم)؟ نقول: انظر كم كان يتوب سيدي وسيدك محمد  (صل الله عليه وسلم(؟ وأنا وأنت كم نتوب؟ يقول الحق جل وعلا: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
إذن العباد إما تائب وإما ظالم، تعلمون أنه من عدم معرفة التوبة وشأنها يغتر كثير من الناس، ممن نشؤوا على الإسلام، يصلون ويصومون ويحجون، ويظنون أن التوبة لغيرهم من الفجار وأهل الفواحش ونحو ذلك، ولم يعرف هؤلاء عظم ما فاتهم من معرفة حقيقة التوبة؛ فهم على دين العادة والمنشأ، هذه عادة، دين عادة، لكن دين العبادة، يجب أن تعرف قول الله جل وعلا: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
كلنا نتوب، أفسد من على وجه الأرض، وأصلح من على وجه الأرض، المسلم والكافر، هل تعرف الآية قيلت في من؟ قيلت لأصحاب النبي  (صل الله عليه وسلم(، قيلت لخيار الأمة، لخيار الخلق بعد الأنبياء، أن يتوبوا إلى الله بعد إيمانهم، وصبرهم، وهجرتهم، وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة والنجاة من الشرور والسوء والبلايا في الدنيا والقبر والآخرة: التوبة.
قال ابن كثير: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}: الفلاح هو الفوز بكل مرغوب، والسعادة في الدنيا والقبر والآخرة، والنجاة من كل مرهوب في الدنيا والقبر والآخرة، اسمع حديث النبي  (صل الله عليه وسلم( في الصحيح، ولا تتركه في مجلس، ولا في ذهاب ولا مجيء، لا أنت يا رجل، ولا أنت يا امرأة، والله إحدى الصالحات تقول: من نعمة الله علي أني أستغفر الله عز وجل في اليوم ألف مرة، فعسى الله يتوب علينا.
أحد الشباب الصالح يقول: أستغفر الله عز وجل حتى أذكر يوم سافرت فيه استغفرت الله عز وجل ألفًا ومائتين مرة، لعل الله يتوب علي.
يقول أهل العلم: رحمة الله عليهم في حديث النبي  (صل الله عليه وسلم( في الصحيح أنه قال: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»([6]).
ومن علامات التوبة أيها الفار إلى ربه:
انخلاع القلب، وتقطعه خوفًا وندمًا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينة لقول الله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 110] تقطعها؛ أي بالتوبة إلى الله عز وجل.
أيها الحبيب:
إن من موجبات التوبة انكسار خاص بالقلب، هذا الانكسار يحدث للقلب، لا يشبهه شيء، ولا يكون لغير المذنب، هذه الكسرة في القلب لا تحصل بجوع ولا رياضة، ولا حب مجرد؛ وإنما وراء هذا كله انكسار القلب بين يدي الرب، انكسار تام قد أحاط به من جميع جهاته، وجعله بين يدي ربه طريحًا ذليلاً خاشعًا، كحال عبد جان أبق من سيده فأخذ، فأحضر بين يدي سيده، ولم يجد من ينجيه من سطوته، ولم يجد منه بدًا، ولا عنه غنى، ولا منه مهربًا، وعلم أن حياته، وسعادته، وفلاحه، ونجاحه في رضاه عنه، وقد علم إحاطة سيده بتفاصيل جنايته، هذا مع حبه لسيده وشدة حاجته إليه، وعلمه بضعفه وعجزه، وقوة وعز سيده.
وهذه حكاية مشهورة عند أهل العلم - رحمة الله عليهم: ذكروا عن بعض العارفين أنه حصل له شرود وإباق من سيده، فرأى في بعض الطرق بابًا قد فتح، وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده، حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه، دخلت الأم وذهب الصبي غير بعيد، ثم وقفت منكرًا، فلما لم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مرتجًا فتوسده، وضع خده على عتبة الباب ونام، فخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني؟ ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك وشفقتي عليك، وإرادتي الخير لك، ثم أخذته ودخلت.
قال ابن القيم رحمه الله: فتأمل قول الأم: لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك. يقول رحمه الله: وتأمل قوله  (صل الله عليه وسلم(: «لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها»([7])، وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟ إذا العبد رجع إلى ربه، وتاب إليه، وانكسر بين يديه.
يحكى عن بعض العارفين أنه قال: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه زحامًا فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت من باب الذل والافتقار فإذا هو أقرب باب إليه سبحانه وأوسعه، ولا مزاحم فيه ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته، فإذا هو سبحانه تعالى قد أدخلني عليه من هذا الباب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (كلمات تكتب بماء العيون): من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية، تذكر أنك عبد في كل لحظة، في كل نفس، في كل خاطرة، في كل ذهاب وإياب.
ويقول أهل العلم: إن ما يتحقق بالافتقار لا يتحقق بالاستكبار قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].
أخي الحبيب: عود نفسك الانكسار بين يدي الله، لا تدل بعملك، لا تقل: فعلت من الصالحات، دعوت وتصدقت وفعلت، إن الذي أعانك على هذا الفعل الله، إذ ليس لك فضل ولا منة، لماذا تدل بعملك؟ لماذا تتكلم وأنت ليس لك فضل ولا منة، إلا في حالات في كتاب الله وسنة رسول الله  (صل الله عليه وسلم(، في الأصل أنك لا تدل بعملك، الله الله بالانكسار! هل تدري لماذا تنهى عن الإدلال بعملك والإخبار به؟ هذا يعين العجب عليك والكبر، فاحذر وانكسر لله.
أنت فيك صلاح وخير كثير، لكن رأيت أخًا لك مذنبًا، بدلاً من أن ترحمه وتدعو له عن قصد، إنك تريد أن يكون صالحًا مثلك أو مستقيمًا مثلك، لا تعيره، بعض الناس يعير، يقول  (صل الله عليه وسلم( في حديثه: «من عَيَّرَ أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله»([8]) نعوذ بالله.
يقول ابن القيم في معنى الحديث: إن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا من ذنبه هو، وأشد من معصيته؛ لما فيه من صولة الطاعة وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باء بها.
ولعل كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذلة والخضوع على نفسه والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس، خافض الطرف، منكسر القلب، أنفع له وخير من صولة طاعتك، وتكثرك والاعتداء بها، والمنة على الله وخلقه بها.
ارحم أخاك، كما كان النبي  (صل الله عليه وسلم( رحمة للعالمين، يتحمل من الناس، يضربونه، ويشققون أقدامه، فيقول: «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله على دين»([9]).
يقول الطفيل شيخ دوس: ادع على دوس يا رسول الله، يقول  (صل الله عليه وسلم(: «اللهم اهد دوسًا وأتِ بها»([10])، فيهديهم الله ويأتي بهم، كن مشفقًا، كن رحيمًا.
كونوا معي في القصة التي حدثت لمالك بن دينار، وهو معروف بوعظه وزهده - رحمه الله تعالى - قال مالك: خرجت حاجًا إلى مكة، فبينما أنا سائر إذ رأيت شابًا ساكتًا، لا يذكر الله تعالى؛ فلما جاء الليل رفع وجهه نحو السماء وقال: (يا من لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المعاصي، اغفر لي ما لا يضرك).
يقول مالك: ثم رأيته بذي الحليفة وقد لبس إحرامه والناس يلبون: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» وهذا الشاب لا يلبي، فقلت: هذا جاهل! فدنوت منه وقلت له: يا فتى، قال: لبيك، قلت له: لم لا تلبي؟ فقال: يا شيخ! وما تعني التلبية وقد بارزته بذنوب سالفات، وجرائم مكتوبات، والله إني لأخشى أن أقول: لبيك، فيقول: لا لبيك ولا سعديك، لا أسمع كلامك، ولا أنظر إليك.
يقول مالك بن دينار: فقلت له: لا تقل ذلك فإنه حليم، إذا غضب رضي، وإذا رضي لم يغضب سبحانه، وإذا وعد وفى جل وعلا، ومتى توعد عفا سبحانه جل جلاله، فقال الشاب: يا شيخ أتشير علي بالتلبية، (قلت: نعم)، فبادر إلى الأرض واضطجع، ووضع خده على التراب، وأخذ حجرًا فوضعه على خده، وأسبل دموعًا، وقال: (لبيك اللهم لبيك، قد خضعت لك، وهذا خضوعي بين يديك) فأقام كذلك ساعة، ثم نظر، فما رأيته إلا بمنى وهو يقول: (اللهم إن الناس ذبحوا ونحروا وتقربوا إليك، وليس لي شيء أتقرب به سوى نفسي، فتقبلها مني)، ثم شهق شهقة وخر ميتًا، رحمه الله.
هذه يستأنس بها، ولا تقل: (أتنكر أنها من كتب الزهاد والوعاظ) لا، فالخيرية هناك ليست كوقتنا، ثم على أقل الأحوال، لو صدق قولك، فروايات بني إسرائيل كان النبي  (صل الله عليه وسلم( يقول: «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج»([11])، وهذه روايات بني إسرائيل فكيف بما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى والحديث الضعيف يستشهد به في الترغيب والترهيب، عند بعض العلماء، ويروى بالتضعيف، ومثل ذلك ما أرتل أحيانًا من بعض الكلمات، البعض قد يستنكر ويقول لك: السلف. مثل أقوال بعض أهل العلم: (نسأل الله أن يحسن لنا ولهم الخاتمة)، لكن اعلم أن الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله صلى عند الشيخ عبد الله حماد الرسي فرآه يرتل في آخر كلماته، وكنت أزور الشيخ عبد الله حماد، وكان بيت ابن عثيمين قبل موته رحمه الله على جوار بيت الشيخ حماد الرسي قال: فاتصل علي أخوه (أخو الشيخ ابن عثيمين) وقال: الشيخ يريد أن يسلم عليك. فقال الشيخ: جزاك الله خيرًا يا أخ عبد الله آثرت فينا، قال: الله يهيبك يا شيخ، الناس يبدعونا ويفسقونا، وخطبتك باطلة، ومثل ذلك.. قال: أبدًا لا يهمونك، والله إن قراءة الآيات مرتلة، على المنبر وبعض الكلام، إنه أثر فينا أكثر من القراءة العادية، وذكر أحد الأحبة أنه جلس في مجلس وزير الشؤون الإسلامية فقال: كان السلف من قبل يلحنون خطبهم كاملة كلها، ولذلك لما ترك ذلك بدأ الناس يستنكرون، لكن إذا علم لا يستنكر عندئذ، وكنت مع الشيخ الإمام شيخي بعد الشيخ ابن باز رحمة الله عليه هو الآن ولله الحمد وقد أنعم الله علي بملازمته الشيخ عبد الله بن جبرين.
فقلت له: كان الشيخ عبد الله الرسي يلحن ذلك أو يرتل ذلك عند الشيخ ابن باز، قال: نعم، ما كان يقول له شيئًا؟ قال: وفعلاً كان الشيخ ابن باز إذا سلمت عليه وقلت له: الشيخ حماد الرسي يسلم عليك. قال: عليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، له كلمات طيبة بلغه سلامي، ولما سألت الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أقرأ النبي  (صل الله عليه وسلم( سورة (ق) على المنبر عادية، أم مرتلة؟ قال: (مرتلة).
وحدثني أحد المحدثين قائلاً: ووجدت بإسناد جيد أن النبي  (صل الله عليه وسلم( رتل (تبارك) على المنبر عليه الصلاة والسلام إذ تبين مما تقدم أن كسرة التائب أحب إلى الله من صولة المدل بعمله ويقول: أنا سويت وفعلت، إذن الإدلال والمن والإعجاب بالعمل بغيض لدى الله مفسد للعمل.
كما قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «وإن من عبادي من يريد بابًا من العبادة، فأكفه عنه؛ لأن لا يدخله عجب فيفسده ذلك»([12]). وهذا الحديث المبارك من أعظم أسباب الفرار إلى الله.
الخوف لابد أن يكون معك دائمًا، وفي المسند والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله قول الله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال  (صل الله عليه وسلم(: «لا يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه»([13]) الذي صفته كذلك يفر إلى الله تائبًا خائفًا.
حضرت محاضرة للشيخ محمد بن صالح العثيمين، وُجه سؤال للشيخ، قيل: يا سماحة الشيخ قال: ما أعرف سماحة في المملكة العربية السعودية إلا واحدًا، الشيخ ابن باز، فقيل له فضيلة الشيخ، قال: لا، ولا فضيلة محمد بن عثيمين.
إنهم أناس انكسروا لله، (نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدًا).
الشيخ عبد الله الغديان والله ما رأيت عليه «مرزان» ليس لأنه حرام لا ولكن زهده في الدنيا ما يلبسه إلا نادرًا، وهو من كبار هيئة العلماء في الإفتاء قبل الشيخ ابن باز، ومع ذلك الرجل بسيط وثيابه عادية.
لابد أن يحيا العبد وفي قلبه خوف من الله، ذلة لله، ورجوع إلى الله عز وجل.
يقول الحسن رحمه الله: إن المؤمن يجمع إحسانًا وخشية، أما المنافق فيجمع إساءة وأمنًا.

آيات الله المخوفة:
يخوفنا الله في الأرض، زلازل، وكسوف، وأوبئة تحال إلى ماذا؟ أسباب طبيعية معزولة عن مسببها عز وجل المكون لها، يقول الحق جل وعلا: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، والبعض لا يفقه فيقول: إنما الزلزال، من أجل خلخلة طبقات الأرض، من الذي خلخل طبقة الأرض؟ كثير من طبقات الأرض خفيفة، وما زلزلت، فتخويف من هذا؟
وهذه الأوبئة سكر، ضغط، حساسية، لما لا يخاف العبد من ربه؟ يقول عز وجل: {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].
لا تكن من هؤلاء:
لا تكن منهم يا أخي، هذا قول الله عز وجل الذي لا يؤمن النذر تمر عليه، زلزال في إيران، زلزال في تركيا، قل: لا إله إلا الله، سبحان من زلزل تلك الأرض مائة كيلو في مائة كيلو، مات فيها ما يزيد عن مائة ألف، من أماتهم؟ ومن أحياهم؟
فالواجب أن يكون في قلبك خوف، والكثير من الناس يفرح حينما يرى السحاب، فأما رسول الله  (صل الله عليه وسلم( لما رأى السحاب، ماذا كان قوله؟ وماذا فعل  (صل الله عليه وسلم(؟ كان رسول الله  (صل الله عليه وسلم( يتمعر وجهه ويحمر، فقيل: يا رسول الله، الناس يفرحون وأنت يتمعر وجهك؟ قال  (صل الله عليه وسلم(: «وما يدريك أن تكون صاعقة كصاعقة عاد وثمود؟»([14]) ثم قرأ  (صل الله عليه وسلم(: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف: 24، 25]. فلا يسرى عن رسول الله  (صل الله عليه وسلم( حتى تمطر، فإذا أمطرت سري عن النبي  (صل الله عليه وسلم( وذهب عنه الهم، والغم، والخوف.
يقول البغوي رحمه الله مفسرًا الآية السابقة: فجاءت الريح في وقت عاد، جاءت الريح فقتلتهم في الشوارع، فجاء بعضهم ورأى أن الريح تأخذ الرجل والمرأة، وتضرب من في الأرض، فهربوا ودخلوا إلى بيوتهم، وقفلوا الأبواب والنوافذ، فأتت من فوقها تلك السحابة التي ظنوا أنها مطر، فكسرت أبوابهم ونوافذهم، فقتلتهم في بيوتهم.
لذا كان لا يسرى عن رسول الله  (صل الله عليه وسلم( حتى تمطر، ترى من يطبق السنة من الرجال، والنساء؟ هذا خوف عبادة واجب، ليس فضلاً ولا منة، وقد أجمع بعض أهل العلم أنه ركن، أنه فرض على مسلم.
يقول تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الأنعام: 4، ويس: 46].
فلا يا أخي! لا تكن من هؤلاء القوم الذين ذمهم المولى عز وجل، فلو كانت الآية في أهل الكتاب، أو أنها في السابقين، إلا أنها تشملنا: يعني لا تكونوا منهم يا أمة محمد  (صل الله عليه وسلم(، هؤلاء الذين إذا جاءتهم الآيات، والنذر كانوا عنها معرضين؛ فأنا وأنت لابد أن نخاف، نتوقف ونسترجع، إذا كنا لا نعلم من الخوف، نعلم أنفسنا الخوف من الله عز وجل والفرار إليه.
يقول ابن القيم رحمه الله: الخوف من أجل منازل الطريق، وأنفعها للقلب، وهو فرض على كل أحد، قال الله تعالى: {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51].
فيا إخواني، ويا أخواتي:
إذا لم نرهب من الله عز وجل فممن نرهب؟ لم نعود أنفسنا الخوف من الله عز وجل، فمن نخاف؟ {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}، وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ}
[المؤمنون: 57]، أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم.
يقول الجنيد رحمه الله: الخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس؛ فأي نفَس يخرج منك ينبغي أن تخاف أن يعاقبك الله عز وجل، وليس معنى هذا أنك والعياذ بالله تقنط، لا؛ لأن العبد بين أمرين: خوف ورجاء، أما القنوط فهو كبيرة، والأمن: أن يظن العبد أن لا يعاقبه الله، أيضًا هذا كبيرة.
بل ينبغي أن يكون حالك مع المولى عز وجل: أن تخافه، وترجوه سبحانه وتعالى، وتحبه، لكن أن تأمن وتظن أنك غير معذب فهذا من الغرور.
وقد جرت قصة لأحد الشباب: فقد جاء هذا الشاب، وأرسل رسالة لأحد المشايخ، وكان هذا الشيخ يعمل طبيبًا في أحد المستشفيات أرسلها لبعض الدعاة، يقول الداعية: فتحتها وإذا بها: (يا شيخ سأقتل نفسي، في أسرع لحظة، وأنا الآن جهزت كل أسباب القتل).
يقول الداعية: فظننت أن هذه الرسالة لامرأة، لأن أغلب من يقدمون على الانتحار من النساء، بسبب الإيذاء الذي يتعرضن له من ظلم من بعض الرجال، حتى أن إحداهن تقول: والله إني لأقوم الليل، ولكن أبي شديد الظلم والقهر معي، حتى أن خمسة رجال تقدموا لي، ولم يكتب الله أن يتم زواجي بأيهم، فجاء وقال: أنت السبب، أنت السبب.
والواجب علينا أن نتقي الله عز وجل، ونتأسى بنبي الله  (صل الله عليه وسلم( وصحابته فنحن لا نساوي، وأنا أتحدث عن نفسي، حذار هؤلاء الصحابة، ومع ذلك كانوا يبحثون لبناتهم عن الأزواج الصالحين، فهذا عمر رضوان الله عليه عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، فمن نحن حتى نتحرج من هذا الأمر، ونلقي بالاً للعادات المخالفة لشرع الله. وهذا رسول الله  (صل الله عليه وسلم( يقول لعثمان بن عفان بعد أن زوجه بنته الثانية: «لو أن عندي بنتًا ثالثة لزوجتكها».
يقول الداعية: إنه لما كلم الشاب قال له: هل هذه الرسالة لك أنت أم لإحدى قريباتك؟ قال الشاب: هي لي أنا. قال الداعية: وكيف هذا؟ قال الشاب: والله يا أخي ما أدري إلى متى وأنا أخادع الله تعالى، فأنا عصيت بكل أنواع المعاصي، تعاطيت المخدرات، وسمعت الأغاني، وكذا، وكذا، فكيف أقول أنني مسلم وأنا أعمل كل هذه المعاصي؟ فلأذبح نفسي وأسترح.
يقول الداعية: فقلت له: وأنت من أنت حتى تقتل نفسك؟ وبأي حق؟ أتظن أن جسمك ملك لك؟ أتظن أن روحك ملك لك؟ هل دنياك لك؟ هل حياتك لك؟ وبأي حق تتهم ربك بأنه لا يغفر لك؟ أما تتقي الله؟ بدلاً من أن تفر من ربك عز وجل فر إليه، فقد جاء وفدان إلى رسول الله  (صل الله عليه وسلم( وجاءه شيخا هؤلاء الوفدين فقال أحدهما: يا رسول الله، أسرفنا في الزنا، وإن دينكم لجميل، فهل إذا دخلنا في دينكم يغفر لنا؟ والآخر الكافر يقول: يا محمد! أسرفنا في القتل وإن دينكم لجميل، فهل إذا دخلنا في دينكم يغفر لنا؟ وهؤلاء كفار، ولكن انظر كيف نزلت الآية، أنزل الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
[الزمر: 53]. فسماهم الله عبادًا وهم كفار.
فاتق الله يا عبد الله! ارجع إلى الله؛ فالله يعلم كل معاصيك ولكنه رحيم، فتب إليه، وارجع إليه، يقول رسول الله  (صل الله عليه وسلم( أنك إن قتلت نفسك من فوق جبل فستردى في نار جهنم يوم القيامة، وإن كان بحديدة في بطنك جاءت أيضًا في بطنك في جهنم يوم القيامة، وإن تحسيت السم جئت تتحساه في نار جهنم أيضًا، وربك يقول: «يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لغفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لغفرت لك على ما كان منك ولا أبالي»([15]).
فما شأنك؟ إن ذنبك لا ينقص الله تعالى، ولا طاعتك تزيد في ملكه شيئًا، فإذا جئته بملء الأرض خطايا، وأنت لا تشرك، يأتيك سبحانه وتعالى بملئها مغفرة وما يبالي عز وجل، فخف الله وارجع إليه الآن، صل ركعتين، وفر إلى الله وتب عليه.
وكانت هناك محاضرة لهذا الداعية في جدة، يقول الشيخ: فاتصل علي هذا الشاب بعد أسبوعين من المكالمة، فقال: أما تعرفني يا شيخ؟ قلت: لا، قال: أنا صاحب الرسالة، قلت: أنت الذي أردت الانتحار؟ قال: نعم، قلت: أهلاً ومرحبًا بالفارين إلى الله، أبشرني، كيف حالك؟ فقال: يا شيخ، أتعلم أنني يوم حدثتك كان السلاح بجانبي، وقد أرسلت لك هذه الرسالة تحصيل حاصل، ولكني كنت متحيرًا في طريقة الطعن هل الفم تكون أقوى؟ أم بالجنب؟ أم في أي مكان؟ وكنت أريدها ضربة قاضية كي لا تتمكن الإسعاف من إنقاذي! بل واخترت أيضًا مكان القتل، هل أقتل نفسي في المنزل؟ أم في البر؟ وكنت لا أصلي، فجاءني الشيطان وقال: صل كي تكون على حسن خاتمة!! فانظر يأتيه الشيطان ويأمره بقتل نفسه، وبالصلاة قبلها كي يموت على حسن ختام، ولكنه لا يأتيه ليقول: أن من قتل نفسه بشيء منتحرًا فهو معه في جهنم! ثم يقول: فكرت وصليت كما أمرتني، وجعلت ألوم نفسي: كيف أنني اتهمت ربي عز وجل أنه ليس بقادر على أن يغفر لي؟ وأخذت أبكي وأبكي وأبكي، وأخذت أصلي الليل والضحى، وتبت إلى الله تعالى، وذهبت إلى أخي في القبر، وقلت: أبشرك يا أخي فإني تبت والحمد لله، وأنا الآن أعمل الصالحات.
يقول الشيخ: والله إنه الآن يطلب الناس منه ويدعونه إلقاء الكلمات، فأصبح مثل بعض المشايخ في إلقاء الكلام، هو الآن ينصح، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يقول الشيخ: وقد قابلته مرة في محاضرة للشيخ ابن جبرين فما عرفته، فقد تغير سمته، فأصبح ملتحيًا ملتزمًا، فأخبرت الشيخ ابن جبرين عن خبره، وطلبت منه الدعاء له، فدعا له الشيخ بالخير.
تذكر هذه المشاهد:
ومن أعظم أسباب الفراء إلى الله ثلاثة مشاهد: فعش معها يا عبد الله.
1- تصور يا ابن آدم! يوم توقد النيران، واضطرامها، وبعد قعرها وشدة حرها، وعظيم عذاب أهلها، فيشاهدهم المؤمن، وقد سيقوا إليها، سود الوجوه زرق العيون، والسلاسل والأغلال في أعناقهم، فلما انتهوا إليها فتحت في وجوههم أبوابها، فشاهدوا ذلك المنظر الفظيع، وقد تقطعت قلوبهم حسرة وأسفًا! قال تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53].
تصور يا ابن آدم إذا قيل لهم: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
[الطور: 14 - 16].
تصور يوم ترى أهل النار وهم في الحميم على وجوههم يسحبون، وفي النار كالحطب يسجرون، {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] فبئس اللحاف، وبئس الفراش.
وإن استغاثوا من شدة العطش {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29]، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأجوافهم وصهر ما في بطونهم، وشرابهم الحميم، وطعامهم الزقوم {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 36، 37].
2- تصور يا من أحب الفرار إلى الجنة، وما أعد الله فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا إله إلا الله، دار قد جعل الله النعيم المقيم الدائم بحذافيره فيها، ترتبها المسك، وحصباؤها الدرر، وبناؤها لبن الذهب والفضة، وقصب اللؤلؤ، وشرابها أحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، ونساؤها لو برز وجه إحداهن في هذه الدنيا لغلب على ضوء الشمس، ولباسهم الحرير ومن السندس والإستبرق، وخدمهم ولدان كاللؤلؤ المنثور، وفاكهتهم دائمة {لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة: 33، 34] وغذاؤهم لحم طير مما يشتهون، وشرابهم عليه خمر {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] وخضرتهم فاكهة مما يتخيرون، {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة: 22، 23] فهم {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس: 56]، وفي تلك الرياض يحبرون، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون.
3- تصور يا ابن آدم يوم المزيد، والنظر إلى وجه الرب جل جلاله، وسماع كلامه منه بلا واسطة، كما قال  (صل الله عليه وسلم(: «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، ثم قرأ قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58]([16])، ثم يتوارى منهم، وتبقى رحمته، وبركته عليهم في ديارهم».
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا، اللهم تب علينا.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(الكاتب:عصام بن عبد العزيز)



([1]) تفسير السمرقندي (2/432).
([2]) أخرجه البخاري (2652)؛ ومسلم (2533).
([3]) أخرجه البخاري (3685)؛ ومسلم (2389).
([4]) أخرجه أحمد (14584).
([5]) أخرجه البخاري (3242)؛ ومسلم (2395).
([6]) أخرجه البخاري (6307).
([7]) أخرجه البخاري (5999)؛ ومسلم (2754).
([8]) أخرجه الترمذي (2505).
([9]) أخرجه البخاري (3231)؛ ومسلم (1795).
([10]) أخرجه البخاري (2937)؛ ومسلم (2524).
([11]) أخرجه أحمد (9780)؛ وأبو داود (3662).
([12]) حلية الأولياء (8/318).
([13]) أخرجه أحمد (24735)؛ والترمذي (3175)؛ وابن ماجه (4198).
([14]) أخرجه البخاري (3206)؛ ومسلم (899).
([15]) أخرجه مسلم (2687).
([16]) أخرجه ابن ماجه (184).

ليست هناك تعليقات:

اكتـب تـــــعليقا لبـرامج الانبــــار


بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))

صدق اللَّهُ العظيم


ملاحظة:آرائكم تسعدنا, لمتابعة التعليق حتى نرد عليك فقط ضع إشارة على إعلامي



يتم التشغيل بواسطة Blogger.