اهلا بك عزيزي الزائر في موقع برامج الانبار
أحدث المواضيع
||

11/21/2015

غزوة بدر

غزوة بدر وكيف انتصر المسلمون
القافلة :
في يومٍ حارٍ، شديد الحرارة، كأنَّما أصبحت الأرض تُرسًا من النَّحاس المتوهِّج، وكأنَّما أصبح الهواء لهيب النيران، كان بعض الصَّحابة في ظلال مسجد رسول الله (صل الله عليه وسلم)، بعضهم يقرأ القرآن الكريم، وآخرون جلسوا على شكل حلقةٍ يتعلَّمون أمور دينهم، وبعضٌ آخر يتذكَّر أحوالهم في مكة، وكيف كان آل ياسرٍ وبعض الصَّحابة يعانون من كفَّار قريشٍ أشدَّ أنواع العذاب.
كان المسجد كخليَّة النَّحل نشاطًا حينما جاء البشير ينقل البشرى السَّارة أنَّ أبا سفيان صخر بن حربٍ زعيم قريشٍ جاء من الشَّام بتجارةٍ يُحمَّل ألف جمل من بضائع الشَّام الغالية كالعطر، والزَّيت، والقمح، والسّيوف، والحرير، كانت القافلة تقصد مكة، ولكنَّها في طريقها ستمرُّ قريبًا من المدينة المنورة.

هيَّا إلى القافلة :
ولما نُقل إلى الرَّسول (صل الله عليه وسلم) خبر تلك القافلة خرج ومعه ثلاثمائة رجلٍ وأربعة عشر، وقالوا لبعضهم: هيَّا إلى القافلة، خرجوا ومعهم من الخيل فرسان، ومن الجمال سبعون جملًا، وسار الجيش الإسلاميُّ بقيادة الرَّسول (صل الله عليه وسلم) وكأنَّ هذا الجيش خيوط النُّور تشقُّ الليل المظلم.
سمع أبو سفيان بخبر تعرُّض النبيِّ (صل الله عليه وسلم) لقافلته، وكان معه خمسة عشر رجلًا، فخاف على نفسه وقافلته، فأرسل رجلًا اسمه ضمضم بن عمروٍ إلى مكة ليخبر قريشًا، وليحمِّسها للخروج إلى قتال النبيِّ عليه الصَّلاة والسلام.
ولما وصل ضمضم إلى مكة، وأخبر قريشًا غضب أبو جهلٍ وكبار المشركين، وجهَّزوا جيشًا يعدُّ حوالي ألف مقاتلٍ، وسار في طريقه إلى المدينة ومعه مائة فرسٍ وسبعمائة بعيرٍ، وكأنَّ هذا الجيش أفعى ضخمةٌ جدًا تزحف على وجه الصَّحراء متوجهةً إلى المدينة تريد الشرَّ بالرَّسول (صل الله عليه وسلم) والمسلمين.

زحفُ النبيِّ (صل الله عليه وسلم) إلى بدرٍ:
وسمع النبيُّ (صل الله عليه وسلم) بجيش المشركين، فكان على المسلمين أن يختاروا أحد أمرين؛ إمَّا أن يرجع الجيش الإسلاميُّ إلى المدينة المنورة ولا يقاتل المشركين، أو أنَّه يتابع زحفه ويحارب أبا جهلٍ وجيشه. فقال رسول الله (صل الله عليه وسلم) «أشيروا عليَّ أيُّها النَّاس».
فقام سعد بن معاذٍ رضي الله عنه  وقال: يا رسول الله، امض كما أمرك الله فنحن معك، لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا هاهنا قاعدون، ولكن نقول: اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكما مقاتلون..
سُرَّ النبيُّ (صل الله عليه وسلم) من هذا الجواب، وبشَّر أصحابه وقال: «امضوا على بركة الله». فساروا متحمِّسين مستبشرين لمحاربة جيش المشركين.

نجت القافلة وتقابل الفريقان :
وبينما كان جيش المشركين يسير لملاقاة المسلمين، كان أبو سفيان قد غيَّر الطريق، وأسرع محاذيًا ساحل البحر الأحمر، فنجا ونجت معه قافلته، فبعث رجلًا إلى قريشٍ يخبرهم أنَّ القافلة قد نجت، وأنَّ على جيش قريشٍ أن يرجع إلى مكة.
فقال أبو جهلٍ: لا نرجع حتَّى نرد بدرًا ونقيم فيه ثلاث ليالٍ، ونشرب الخمر، وتعزف لنا القيان، فأطاعوه، فساقهم معه إلى بدرٍ.
وفي الطَّريق كان جيش المشركين يتحدَّث عن الأصنام، وأنَّها ستساعدهم وتنصرهم في هذه الحرب، وأنَّهم سيذبحون المسلمين جميعًا، ولا يتركون على وجه الأرض مسلمًا واحدًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله بينما كان الرَّسول (صل الله عليه وسلم) يدعو ربَّه أن ينصر دينه؛ ليمنع الشِّرك والفساد والظُّلم في الأرض حتَّى يصبح المجتمع الإنسانيُّ مسلمًا طاهرًا، يسود فيه العدل والمحبة.
وقبل أن تغيب الشَّمس توقَّف الرَّسول (صل الله عليه وسلم) فتوقَّف الجيش ليستريح من التَّعب، فنصبوا الخيام، وبعضهم كان صائمًا، ولما غربت الشَّمس رفع بلالٌ الأذان بصوته الحنون، وبات النَّبيُّ (صل الله عليه وسلم) والصَّحابة يصلّون لله ويدعونه، بينما بات المشركون يشربون الخمور، ويستمعون الغناء، ويفسقون ويفجرون.
ولمَّا تنفس الصُّبح رفع بلالٌ الأذان، وأرسل الله تعالى الغيث إلى الرَّسول (صل الله عليه وسلم) وصحابته، فتطهَّروا وتوضَّؤوا وملؤوا أوعيتهم، وشربت رواحلهم، ولبَّد الغيث الأرض؛ فساروا سيرًا مريحًا لا تتبعثر الرِّمال تحت أقدامهم، وكانت هذه أوَّل بشارةٍ من الله لرسوله (صل الله عليه وسلم)، وأرسل الله المطر على قريشٍ صبًّا فأزعجهم في صباح المعركة، فكانت أقدام المشركين وحوافر الخيل وأخفاف الجمال تغوص في باطن الرَّمل. وكانت هذه أولى علامات انتقام الله من المشركين.
وما زال الجيشان يسيران حتَّى تقابلا في بدرٍ وجهًا لوجهٍ. فبنى المسلمون عريشًا للنبِّي (صل الله عليه وسلم). وبنوا حوضًا فشربوا منه، ومنعوا المشركين؛ فقذف الله الرَّعب في قلوبهم، وعرفوا أنَّه سيقتلهم العطش قبل أن يقتلهم السَّيف.

النِّظام العسكريُّ الجديد :
كان النِّظام العسكريُّ في الحروب الجاهلية الكرَّ والفرَّ، فنظَّم النبيُّ (صل الله عليه وسلم) جيشه تنظيمًا عسكريًّا جديدًا، هو نظام الصُّفوف.
الصفُّ الأوَّل: ومعهم الرِّماح.
الصفُّ الثَّاني: ومعهم السُّيوف.
الصفُّ الثَّالث: ومعهم الأقواس وفيها السِّهام.
ولما نظر أبو جهلٍ والمشركون إلى المسلمين تعجَّبوا من هذا النِّظام، وخافوا وعرفوا أنَّهم خاسرون، ولم يهجموا على المسلمين، وإنَّما بدؤوا الحرب بالمبارزة في صباح اليوم السَّابع عشر من رمضان المبارك، في السَّنة الثَّانية لهجرة النبيِّ عليه الصلاة والسلام من مكَّة إلى المدينة المنورة.
وقال المشركون: إنَّ أبطالنا ستقتل بالمبارزة جيش المسلمين.

المبارزة :
كانت جيوش الضياء تهزم جيوش الظَّلام عندما برز الأسود المخزوميُّ من جيش المشركين. وصاح بصوتٍ كالرَّعد:
هل من مبارزٍ؟ وتقدَّم بخطواتٍ بطيئةٍ إلى جيش المسلمين، فبرز له أسد الله ورسوله حمزة بن عبد المطَّلب عمُّ النبيِّ (صل الله عليه وسلم)، ولمَّا رأى الأسود المخزوميُّ البطل حمزة يتقدَّم بخطى ثابتةٍ مطمئنةٍ، وعيناه كأنَّهما تقذفان الشَّرر، خاف المشرك وارتجف قلبه، ودار كلٌّ من المتبارزين حول الآخر نصف دورةٍ وبيده سيفه كأنَّما هو شعلة نارٍ، هجم البطل حمزة على الأسود كأنَّه الصَّقر يهجم على بطةٍ سمينةٍ، وثار غبار المعركة، وعيون الجيشين تنظر كلُّها إلى البطلين المتبارزين، ولكنَّ بطل الإسلام كان الأقوى حيث ضرب عدوَّ الله بالسَّيف فقطع رجله، فزحف ليشرب من الحوض والدَّم يسيل منه، فأسرع البطل حمزة فقتله في الحوض، وخلَّص المسلمين من شرِّه.
ولمَّا عاد البطل حمزة منتصرًا رفع المسلمون سيوفهم ورماحهم وصاحوا: «الله أكبر».

النِّزال الثُّلاثيُّ :
جُنَّت قريشٌ لمقتل بطلٍ من أبطالها، فبرز عُتبة بين أخيه شيبة والوليد بن عُتبة ووجوههم قبيحةٌ بشعةٌ، وبرز من المسلمين البطل حمزة أسد الله ورسوله ومعه ابن أخيه عليُّ بن أبي طالبٍ، وعبيدة ابن الحارث.
أمَّا البطل حمزة فأسرع إلى شيبة وفصل رأسه بضربةٍ واحدةٍ من ضربات سيفه القويَّة، وأمّا عليُّ فقد هاجم على الوليد كالأسد الَّذي يهجم على نعجةٍ وضربه بالسيف فقتله.
وأما الحارث وعُتبة فكلٌّ منهما أصاب خصمه، فهجم البطل حمزة وعليٌّ على عُتبة فقتلاه بسيفيهما، وحملا صديقهما إلى ظلال عريش النبيِّ (صل الله عليه وسلم) والدِّماء تنزف من الحارث، وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بشَّره النبيُّ (صل الله عليه وسلم) بأنَّه شهيدٌ، فمات الحارث مبتسمًا.


والتحم الجيشان :
لمَّا رأت قريشٌ مقتل أبطالها في بداية المعركة عرفت أنَّها خاسرةٌ، فجُنُّ جنون أبي جهلٍ، فصار يشرب الخمرة، ويصيح مثل الذئب الجريح: اهجموا يا فرسان قريشٍ.
هجمت الخيل ولكنَّ رماة المسلمين صبُّوا عليهم السِّهام كالأمطار فتراجعوا، ومن تقدَّم منهم طعنه المسلمون برماحهم، ومن سقط من على فرسه قتله المسلمون بسيوفهم.
فرَّت الخيل ثمَّ كرَّت، وهجم المشركون على المسلمين، والتحم الجيشان في معركةٍ حاميةٍ، وظهر إبليس وصار يحمِّس المشركين، فاستشهد من الصَّحابة ثلاثة عشر شهيدًا غير الحارث، وكان الرَّسول (صل الله عليه وسلم) يدعو ربَّه أن ينزل النَّصر على المسلمين وهم يقاتلون المشركين بكلِّ بطولةٍ وشجاعةٍ وإقدامٍ.

وأنزل الله النَّصر :
استجاب الله دعاء نبيِّه (صل الله عليه وسلم) فظهر في السَّماء مثل الغمام، فنزل جبريل عليه السلام ، ومعه الملائكة، فخاف إبليس وهرب من المعركة واختفى. ونزل النبيُّ (صل الله عليه وسلم) إلى صفوف المعركة يبشّر الصَّحابة بالنَّصر من الله تعالى وهم يقاتلون، وقاتل من المشركين فارس فرسانهم عمرو بن ودٍّ العامريُّ فجرح جراحاتٍ بليغةً، فانسحب من المعركة، وقتل من المشركين سبعون رجلًا بينهم أبو جهلٍ.
وأُسر من المشركين سبعون.. وفرَّت قريشٌ ونصر الله رسوله والمسلمين.
انتشر خبر انتصار الإسلام في الجزيرة العربيَّة، فأعجبت بعض القبائل ببطولة الرَّسول (صل الله عليه وسلم) وصحابته، فأسلم بعضهم وصاروا يجاهدون في سبيل الله تعالى مع الرَّسول (صل الله عليه وسلم)، وكانوا في جيشه (صل الله عليه وسلم) لمَّا وقعت بعد عامٍ غزوة أحدٍ.
يتم التشغيل بواسطة Blogger.